قوله تعالى: (وكذلك نجزي المحسنين) أي: كما جزينا إبراهيم على توحيده وثباته على دينه، بأن رفعنا درجته، ووهبنا له أولادا أنبياء أتقياء، كذلك نجزي المحسنين. فأما عيسى، وإلياس، واليسع، ولوطا، فأسماء أعجمية، وجمهور القراء يقرؤون " اليسع " بلام واحدة مخففة، منهم ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو وابن عامر. وقرأ حمزة، والكسائي هاهنا وفي (ص):
" إلليسع " بلامين مع التشديد. قال الفراء: وهي أشبه بالصواب، وبأسماء الأنبياء من بني إسرائيل، ولأن العرب لا تدخل على " يفعل "، إذا كان في معنى فلان، ألفا ولاما، يقولون: هذا يسع قد جاء، وهذا يعمر، وهذا يزيد، فهكذا الفصيح من الكلام. وأنشدني بعضهم.
وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا * شديدا بأحناء الخلافة كاهله فلما ذكر الوليد بالألف واللام، أتبعه يزيد بالألف واللام، وكل صواب. وقال مكي: من قرأه بلام واحدة، فالأصل عنده: يسع، ومن قرأه بلامين، فالأصل عنده: ليسع، فأدخلوا عليه حرف التعريف. وباقي أسماء الأنبياء قد تقدم بيانها، والمراد بالعالمين: عالمو زمانهم.
قوله تعالى: (ومن آبائهم وذرياتهم) " من " هاهنا للتبعيض. قال الزجاج: المعنى: هدينا هؤلاء، وهدينا بعض آبائهم وذرياتهم. (واجتبيناهم) مثل اخترناهم واصطفيناهم، وهو مأخوذ من جبيت الشئ: إذا أخلصته لنفسك. وجبيت الماء في الحوض: إذا جمعته فيه. فأما الصراط المستقيم، فهو التوحيد.
ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون (88) قوله تعالى: (ذلك هدى الله) قال ابن عباس: ذلك دين الله الذي هم عليه (يهدي به من يشاء من عباده) (ولو أشركوا) يعني الأنبياء المذكورين (لحبط) أي: لبطل وزال عملهم، لأنه لا يقبل عمل مشرك.
أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين (89) قوله تعالى: (أولئك الذين آتيناهم الكتاب) يعني الكتب التي أنزلها عليهم. والحكم:
الفقه، والعلم (فإن يكفر بها) يعني بآياتنا.
وفيمن أشير إليه ب " هؤلاء " ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم أهل مكة، قاله ابن عباس، وسعيد بن المسيب، وقتادة.