أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون (173) قوله تعالى: (أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم) فاتبعنا منهاجهم على جهل منا بآلهيتك (أفتهلكنا بما فعل المبطلون) في دعواهم أن معك إلها، فقطع الله احتجاجهم بمثل هذا، إذ أذكرهم أخذ الميثاق على كل واحد منهم. وجماعة أهل العلم على ما شرحنا من أنه استنطق الذر، وركب فيهم عقولا وأفهاما عرفوا بها ما عرض عليهم. وقد ذكر بعضهم أن معنى أخذ الذرية: إخراجهم إلى الدنيا بعد كونهم نطفا، ومعنى إشهادهم على أنفسهم: اضطرارهم إلى العلم بأنه خالقهم بما أظهر لهم من الآيات والبراهين. ولما عرفوا ذلك ودعاهم كل ما يرون ويشاهدون إلى التصديق، كانوا بمنزلة الشاهدين والمشهدين على أنفسهم بصحته، كما قال:
(شاهدين على أنفسهم بالكفر) يريدهم بمنزلة الشاهدين، وإن لم يقولوا: نحن كفرة، كما يقول الرجل: قد شهدت جوارحي بصدقك، أي: قد عرفته. ومن هذا الباب قوله [تعالى]:
(شهد الله) أي: بين وأعلم وقد حكى نحو هذا القول ابن الأنباري، والأول أصح، لموافقة الآثار.
وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون (174) قوله تعالى: (وكذلك نفصل الآيات) أي: وكما بينا في أخذ الميثاق الآيات، ليتدبرها العباد فيعملوا بموجبها. (ولعلهم يرجعون) أي: ولكي يرجعوا عما هم عليه من الكفر إلى التوحيد.
واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين (175) قوله تعالى: (واتل عليهم) قال الزجاج: هذا نسق على ما قبله، والمعنى: أتل عليهم إذ أخذ ربك، (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا) وفيه ستة أقوال:
أحدها: أنه رجل من بني إسرائيل يقال له: بلعم بن أبر، قاله ابن مسعود. وقال ابن عباس: بلعم بن باعوراء. وروي عنه: أنه بلعام بن باعور، وبه قال مجاهد، وعكرمة، والسدي. وروى العوفي عن ابن عباس أن بلعما من أهل اليمن. وروى عنه ابن أبي طلحة أنه من مدينة الجبارين.
والثاني: أنه أمية بن أبي الصلت، قاله عبد الله بن عمرو بن العاص، وسعيد بن المسيب، وأبو روق، وزيد بن أسلم، وكان أمية قد قرأ الكتب، وعلم أن الله مرسل رسولا، ورجا أن يكون