والثاني: أنه نبه بذلك عباده على تعظيم الحساب، وأعلمهم أنه لا يفوته ما يصنعون، لأن من يثبت مالا ثواب فيه ولا عقاب، فهو إلى إثبات ما فيه ثواب وعقاب أسرع.
والثالث: أن المراد بالكتاب: العلم، فالمعنى: أنها مثبتة في علمه.
وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون (60) قوله تعالى: (وهو الذي يتوفاكم بالليل) يريد به النوم، لأنه قبض الأرواح عن التصرف، كما يقبض بالموت. وقال ابن عباس: يقبض أرواحكم في منامكم. وجرحتم: بمعنى كسبتم. (ثم يبعثكم) أي: يوقظكم فيه، أي: في النهار. (ليقضى أجل مسمى) أي: لتبلغوا الأجل المسمى لانقطاع حياتكم، فدل باليقظة بعد النوم على البعث بعد الموت.
وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون (61) قوله تعالى: (ويرسل عليكم حفظة) الحفظة: الملائكة، واحدهم: حافظ، والجمع:
حفظة، مثل كاتب وكتبة، وفاعل وفعلة. وفيما يحفظونه قولان:
أحدهما: أعمال بني آدم، قاله ابن عباس.
والثاني: أعمالهم وأجسادهم، قاله السدي.
قوله تعالى: (توفته رسلنا) وقرأ حمزة: " توفاه رسلنا " وحجته أنه فعل مسند إلى مؤنث غير حقيقي، وإنما التأنيث للجمع، فهو مثل: (وقال نسوة). وفي المراد بالرسل ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم أعوان ملك الموت، قاله ابن عباس. وقال النخعي: أعوانه يتوفون النفوس، وهو يأخذها منهم.
والثاني: أن المراد بالرسل: ملك الموت وحده، قاله مقاتل.
والثالث: أنهم الحفظة، قاله الزجاج.
قوله تعالى: (وهم لا يفرطون) قال ابن عباس: لا يضيعون. فإن قيل: كيف الجمع بين