قال أبو علي: ومعنى " لا يكذبونك ": لا يقدرون أن ينسبوك إلى الكذب فيما أخبرت به مما جاء في كتبهم، ويجوز أن يكون معنى الحقيقة: لا يصادفونك كاذبا، كما تقول: أحمدت فلانا: إذا أصبته محمودا، لأنهم يعرفونك بالصدق والأمانة (ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون * بألسنتهم ما يعلمونه يقينا، لعنادهم. وفي " آيات الله " هاهنا ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها محمد [صلى الله عليه وسلم]، قاله السدي.
والثاني: محمد والقرآن، قاله ابن السائب.
والثالث: القرآن، قاله مقاتل.
ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأي المرسلين (34) قوله تعالى: (ولقد كذبت رسل من قبلك) هذه تعزية له على ما يلقى منهم. قال ابن عباس:
(فصبروا على ما كذبوا) رجاء ثوابي، (وأوذوا) حتى نشروا بالمناشير، وحرقوا بالنار (حتى أتاهم نصرنا) بتعذيب من كذبهم.
قوله تعالى: (ولا مبدل لكلمات الله) فيه خمسة أقوال:
أحدها: لا خلف لمواعيده، قاله ابن عباس.
والثاني: لا مبدل لما أخبر به وما أمر به، قاله الزجاج.
والثالث: لا مبدل لحكوماته وأقضيته النافذة في عباده، فعبرت الكلمات عن هذا المعنى، كقوله [تعالى]: (ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) أي: وجب ما قضي عليهم. فعلى هذا القول، والذي قبله، يكون المعنى: لا مبدل لحكم كلمات الله، ولا ناقض لما حكم به، وقد حكم بنصر أنبيائه بقوله: (لأغلبن أنا ورسلي).
والرابع: أن معنى الكلام معنى النهي، وإن كان ظاهره الإخبار، فالمعنى: لا يبدلن أحد كلمات الله، فهو كقوله: (لا ريب فيه).
والخامس: أن المعنى: لا يقدر أحد على تبديل كلام الله، وإن زخرف واجتهد، لأن الله [تعالى] صانه برصين اللفظ، وقويم الحكم، أن يختلط بألفاظ أهل الزيغ، ذكر هذه الألفاظ الثلاثة ابن الأنباري.
قوله تعالى: (ولقد جاءك من نبأ المرسلين) أي: فيما صبروا عليه من الأذى فنصروا. وقيل:
إن " من " صلة.