تزعم، فاملأ لنا نيل مصر، فقال غدوة يصبحكم الماء، فلما خرجوا من عنده، قال: أي شئ صنعت؟ أنا أقدر أن أجئ بالماء في نيل مصر غدوة أصبح، فيكذبوني؟! فلما كان جوف الليل، اغتسل، ثم لبس مدرعة من صوف، ثم خرج حافيا حتى أتى بطن نيل مصر فقام في بطنه، فقال:
اللهم إنك تعلم أني أعلم أنك تقدر أن تملأ نيل مصر ماء، فاملأه، فما علم إلا بخرير الماء لما أراد الله به من الهلكة. قلت: وهذا الحديث بعيد الصحة، لأن الرجل كان دهريا لا يثبت إلها. ولو صح، كان إقراره بذلك كإقرار إبليس، وتبقى مخالفته عنادا.
فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون (131) قوله تعالى: (فإذا جاءتهم الحسنة) وهي الغيث والخصب وسعة الرزق والسلامة (قالوا لنا هذه) أي: نحن مستحقوها على ما جرى لنا من العادة في سعة الرزق، ولم يعلموا أنه من الله فيشكروا عليه. (وإن تصبهم سيئة) وهي القحط والجدب والبلاء (يطيروا بموسى ومن معه) أي:
يتشاءموا بهم. وكانت العرب تزجر الطير، فتتشاءم بالبارح، وهو الذي يأتي من جهة الشمال، وتتبرك بالسانح، وهو الذي يأتي من جهة اليمين.
قوله تعالى: (ألا إنما طائرهم عند الله) قال أبو عبيدة: " ألا " تنبيه وتوكيد ومجاز. " طائرهم " حظهم ونصيبهم وقال ابن عباس " ألا إنما طائرهم عند الله " أي: إن الذي أصابهم من الله. وقال الزجاج: المعنى: ألا إن الشؤم الذي يلحقهم هو الذي وعدوا به في الآخرة، لا ما ينالهم في الدنيا.
وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين (132) فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين (133) قوله تعالى: (وقالوا مهما) قال الزجاج: زعم النحويون أن أصل " مهما " ماما، ولكن أبدل من الألف الأولى الهاء ليختلف اللفظ، ف " ما " الجزاء، و " ما " الثانية هي التي تزاد تأكيدا للجزاء، ودليل النحويين على ذلك أنه ليس شئ من حروف الجزاء إلا و " ما " تزاد فيه، قال الله [عز وجل] (فأما تثقفنهم) كقولك: إن تثقفنهم، وقال: (وإما تعرضن عنهم)، وتكون " ما " الثانية للشرط والجزاء، والتفسير الأول هو الكلام، وعليه استعمال الناس. قال ابن الأنباري: فعلى قول من