فادع لنا. قال: " تحب ذلك "؟ قال: نعم. فرفع يديه، فلم يرجعهما حتى قالت السماء، فملؤوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر، فلم نجدها جاوزت العسكر.
قوله تعالى: (من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم) قرأ حمزة، وحفص عن عاصم: " كاد يزيغ " بالياء. وقرأ الباقون بالتاء. وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال:
أحدها: تميل إلى التخلف عنه، وهم ناس من المسلمين هموا بذلك، ثم لحقوه، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أن القلوب مالت إلى الرجوع للشدة التي لقوها، ولم تزغ عن الإيمان، قاله الزجاج.
والثالث: أن القلوب كادت تزيغ تلفا بالجهد والشدة، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: (ثم تاب عليهم) كرر ذكر التوبة، لأنه ليس في ابتداء الآية ذكر ذنبهم، فقدم ذكر التوبة فضلا منه، ثم ذكر ذنبهم، ثم أعاد ذكر التوبة.
وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم (118) قوله تعالى: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) وقرأ أبو رزين، وأبو مجلز، والشعبي، وابن يعمر: " خالفوا " بألف. وقرأ معاذ القارئ، وعكرمة، وحميد: " خلفوا " بفتح الخاء واللام المخففة. وقرأ أبو الجوزاء، وأبو العالية: " خلفوا " بفتح الخاء واللام مع تشديدها. وهؤلاء هم المرادون بقوله [تعالى]: (وآخرون مرجون) وقد تقدمت أسماؤهم. وفي معنى " خلفوا " قولان:
أحدهما: خلفوا عن التوبة، قاله ابن عباس، ومجاهد. فيكون المعنى: خلفوا عن توبة الله على أبي لبابة وأصحابه إذ لم يخضعوا كما خضع أولئك.
والثاني: خلفوا عن غزوة تبوك، قاله قتادة. وحديثهم مندرج في توبة كعب بن مالك، وقد رويتها في كتاب " الحدائق ".
قوله تعالى: (حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت) أي: ضاقت مع سعتها، وذلك أن المسلمين منعوا من معاملتهم وكلامهم، وأمروا باعتزال أزواجهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم معرضا عنهم.