قوله تعالى: (لا تدركه الأبصار) في الإدراك قولان:
أحدهما: أنه بمعنى الإحاطة.
والثاني: بمعنى الرؤية. وفي " الأبصار " قولان:
أحدهما: أنها العيون، قاله الجمهور.
والثاني: أنها العقول، رواه عبد الرحمن بن مهدي عن أبي حصين القارئ. ففي معنى الآية ثلاثة أقوال:
أحدها: لا تحيط به الأبصار، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن المسيب، وعطاء. وقال الزجاج: معنى الآية: الإحاطة بحقيقته، وليس فيها دفع للرؤية، لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرؤية، وهذا مذهب أهل السنة والعلم والحديث.
والثاني: لا تدركه الأبصار إذا تجلى بنوره الذي هو نوره، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثالث: لا تدركه الأبصار في الدنيا، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الحسن، ومقاتل، ويدل على أن الآية مخصوصة بالدنيا، قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة) فقيد النظر إليه بالقيامة، وأطلق في هذه الآية، والمطلق يحمل على المقيد.
وقوله تعالى: (وهو يدرك الأبصار) فيه القولان: قال الزجاج: وفي هذا الإعلام دليل على أن خلقه لا يدركون الأبصار، أي: لا يعرفون حقيقة البصر، وما الشئ الذي صار به الإنسان يبصر من عينيه، دون أن يبصر من غيرهما من أعضائه، فأعلم الله أن خلقا من خلقه لا يدرك المخلوقون كنهه، ولا يحيطون بعلمه، فكيف به عز وجل؟! فأما " اللطيف "، فقال أبو سليمان الخطابي: هو البر بعباده، الذي يلطف لهم من حيث لا يعلمون، ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا يحتسبون.
قال ابن الاعرابي: اللطيف: الذي يوصل إليك أربك في رفق، ومنه قولهم: لطف الله بك، ويقال:
هو الذي لطف عن أن يدرك بالكيفية. وقد يكون اللطف بمعنى الدقة والغموض، ويكون بمعنى الصغر في نعوت الأجسام، وذلك مما لا يليق بصفات الباري سبحانه. وقال الأزهري: اللطيف من أسماء الله، معناه: الرفيق بعباده، والخبير: العالم بكنه الشئ، المطلع على حقيقته.
قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ (104) قوله تعالى: (قد جاءكم بصائر من ربكم) البصائر: جمع بصيرة، وهي الدلالة التي توجب البصر بالشئ والعلم به. قال الزجاج: والمعنى: قد جاءكم القرآن الذي فيه البيان والبصائر (فمن