فإن قيل: لم قال " لها " ولم يقل: " إليها "؟
فالجواب: أن " اللام " و " إلى " تنوب كل واحدة منهما عن الأخرى. وفيمن أريد بهذه الآية قولان:
أحدهما: المشركون، وأنها نسخت بآية السيف.
والثاني: أهل الكتاب.
فإن قيل: إنها نزلت في ترك حربهم إذ بذلوا الجزية وقاموا بشرط الذمة، فهي محكمة وإن قيل: نزلت في موادعتهم على غير جزية، توجه النسخ لها بآية الجزية.
وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين (62) وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم (63) قوله تعالى: (وإن يريدوا) قال مقاتل: يعني يهود قريظة (أن يخدعوك) بالصلح لتكف عنهم، حتى إذا جاء مشركو العرب، أعانوهم عليك (فإن حسبك الله). قال الزجاج: فإن الذي يتولى كفايتك الله (هو الذي أيدك) أي: قواك. وقال مقاتل: قواك بنصره وبالمؤمنين من الأنصار يوم بدر.
قوله تعالى: (وألف بين قلوبهم) يعني الأوس والخزرج، وهم الأنصار، كانت بينهم عداوة في الجاهلية، فألف الله بينهم بالإسلام. وهذا من أعجب الآيات، لأنهم كانوا ذوي أنفة شديدة، فلو أن رجلا لطم رجلا، لقاتلت عنه قبيلته حتى تدرك ثأره، فآل بهم الإسلام إلى أن يقتل الرجل ابنه وأباه.
يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين (64) قوله تعالى: (حسبك الله ومن اتبعك) فيه قولان:
أحدهما: حسبك الله، وحسب من اتبعك، هذا قول أبي صالح عن ابن عباس، وبه قال ابن زيد، ومقاتل، والأكثرون.
والثاني: حسبك الله ومتبعوك، قاله مجاهد. وعن الشعبي كالقولين. وأجاز الفراء والزجاج الوجهين. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أسلم مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] تسعة وثلاثون، ثم أسلم عمر فصاروا أربعين، فنزلت هذه الآية. قال أبو سليمان الدمشقي: وهذا لا يحفظ، والسورة مدنية باجماع، والقول الأول أصح.