أحدهما: أنهم المشركون، أمر بالإعراض عنهم، ثم نسخ ذلك بآية السيف.
والثاني: أنه عام فيمن جهل، أمر بصيانة النفس عن مقابلتهم على سفههم، وإن وجب عليه الإنكار عليهم. وهذه الآية عند الأكثرين كلها محكمة، وعند بعضهم أن وسطها محكم، وطرفيها منسوخان على ما بينا.
وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم (200) إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون (201) قوله تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ) قال ابن زيد: لما نزلت " خذ العفو " قال النبي صلى الله عليه وسلم " يا رب كيف بالغضب "؟ فنزلت هذه الآية. فأما قوله تعالى: (وإما) فقد سبق بيانه في (البقرة) في قوله: (فإما يأتينكم مني هدى)، وقال أبو عبيدة: ومجاز الكلام: وإما تستخفنك منه خفة وغضب وعجلة. وقال السدي: النزغ: الوسوسة وحديث النفس. قال الزجاج: النزغ: أدنى حركة تكون، تقول: قد نزغته: إذا حركته. وقد سبق معنى الاستعاذة.
قوله تعالى: (إذا مسهم طيف) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي: " طيف " بغير ألف.
وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة: " طائف " بألف ممدودا مهموزا. وقرأ ابن عباس، وابن جبير، والجحدري، والضحاك: " طيف " بتشديد الياء من غير ألف. وهل الطائف والطيف بمعنى واحد، أم يختلفان؟ فيه قولان:
أحدهما: أنهما بمعنى واحد، وهما ما كان كالخيال والشئ يلم بك، حكي عن الفراء. وقال الأخفش: الطيف أكثر في كلام العرب من الطائف، قال الشاعر:
ألا يا لقوم لطيف الخيال * أرق من نازح ذي دلال والثاني: أن الطائف: ما يطوف حول الشئ، والطيف: اللمة والوسوسة والخطرة، حكي عن أبي عمرو وروي عن ابن عباس أنه قال: الطائف: اللمة من الشيطان، والطيف: الغضب. وقال ابن الأنباري: الطائف: الفاعل من الطيف، والطيف عند أهل اللغة: اللمم من الشيطان، وزعم مجاهد أنه الغضب.
قوله تعالى: (تذكروا) فيه ثلاثة أقوال:
أحدهما: تذكروا الله إذا هموا بالمعاصي فتركوها، قاله مجاهد.