ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون (179) قوله تعالى: (ولقد ذرأنا) أي: خلقنا قال ابن قتيبة: ومنه ذرية الرجل، إنما هي الخلق منه، ولكن همزها يتركه أكثر العرب.
قوله تعالى: (لجهنم) هذه اللام يسميها بعض أهل المعاني لام العاقبة، كقوله [تعالى]: (ليكون لهم عدوا وحزنا) ومثله قول الشاعر:
أموالنا لذوي الميراث نجمعها * ودورنا لخراب الدهر نبنيها ودخل رجل على عمر بن عبد العزيز يعزيه بموت ابنه، فقال:
تعز أمير المؤمنين فإنه * لما قد ترى يغذى الصغير ويولد وقد أخبر الله عز وجل في هذه الآية بنفاذ علمه فيهم أنهم يصيرون إليها بسبب كفرهم.
قوله تعالى: (لهم قلوب لا يفقهون بها) لما أعرض القوم عن الحق والتفكر فيه، كانوا بمنزلة من لم يفقه ولم يبصر ولم يسمع. وقال محمد بن القاسم النحوي: أراد بهذا كله أمر الآخرة، فإنهم يعقلون أمر الدنيا.
قوله تعالى: (أولئك كالأنعام) شبههم بالأنعام لأنها تسمع وتبصر ولا تعتبر، ثم قال:
(بل هم أضل) لأن الأنعام تبصر منافعها ومضارها، فتلزم بعض ما تبصره، وهؤلاء يعلم أكثرهم أنه معاند، فيقدم على النار، (أولئك هم الغافلون) عن أمر الآخرة.
ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون (180) قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى) سبب نزولها أن رجلا دعا الله في صلاته، ودعا الرحمن، فقال أبو جهل: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا، فما بال هذا يدعو اثنين؟ فأنزل الله هذه الآية، قاله مقاتل. فأما الحسنى، فهي تأنيث الأحسن. ومعنى الآية أن أسماء الله حسنى، وليس المراد أن فيها ما ليس بحسن. وذكر الماوردي أن المراد بذلك ما مالت إليه النفوس من ذكره بالعفو والرحمة دون السخط والنقمة. وقوله [تعالى]: (فادعوه بها) أي:
نادوه بها، كقولك: يا الله، يا رحمن.
قوله تعالى: (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو،