في بني قريظة من اليهود، منهم كعب بن الأشرف وأصحابه.
الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون (56) قوله تعالى: (الذين عاهدت منهم) في " من " أربعة أقوال:
أحدها: أنها صلة، والمعنى: الذين عاهدتهم.
والثاني: أنها للتبعيض، فالمعنى: إن شر الدواب الكفار. وشرهم الذين عاهدت ونقضوا والثالث: أنها بمعنى " مع "، والمعنى: عاهدت معهم.
والرابع: أنها دخلت، لأن العهد أخذ منهم.
قوله تعالى: (ثم ينقضون عهدهم في كل مرة) أي: كلما عاهدتهم نقضوا. وفي قوله [تعالى]: (وهم لا يتقون) قولان:
أحدهما: لا يتقون نقض العهد.
والثاني: لا يتقون الله في نقض العهد. قال المفسرون: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عاهد يهود قريظة أن لا يحاربوه ولا يعاونوا عليه، فنقضوا العهد وأعانوا عليه مشركي مكة بالسلاح، ثم قالوا:
نسينا وأخطأنا، ثم عاهدوه الثانية، فنقضوا ومالؤوا الكفار يوم الخندق، وكتب كعب بن الأشرف إلى مكة يوافقهم على مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون (57) قوله تعالى: (فإما تثقفنهم) قال أبو عبيدة: مجازه: فإن تثقفنهم. فعلى قوله، تكون " ما " زائدة. وقد سبق بيان " فإما " في (البقرة). قال ابن قتيبة: فمعنى " تثقفنهم " تظفر بهم. (فشرد بهم من خلفهم) أي: افعل بهم فعلا من العقوبة والتنكيل يتفرق به من وراءهم من أعدائك. قال:
ويقال: شرد بهم، أي: سمع بهم، بلغة قريش. قال الشاعر:
أطوف في الأباطح كل يوم * مخافة أو أن يشرد بي حكيم وقال ابن عباس نكل بهم تنكيلا يشرد غيرهم من ناقضي العهد، لعلهم يذكرون النكال فلا ينقضون العهد.
وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين (58) قوله تعالى: (وإما تخافن من قوم خيانة) قال المفسرون: الخوف هاهنا بمعنى العلم، والمعنى: إن علمت من قوم قد عاهدتهم خيانة، وهي نقض عهد. وقال مجاهد: نزلت في بني قريظة.