وفي معنى (إلى الأرض) ثلاثة أقوال:
أحدها: تثاقلتم إلى شهوات الدنيا حين أخرجت الأرض ثمرها، قاله مجاهد.
والثاني: اطمأننتم إلى الدنيا، قاله الضحاك.
والثالث: تثاقلتم إلى الإقامة بأرضكم، قاله الزجاج.
قوله تعالى: (أرضيتم بالحياة الدنيا) أي: بنعيمها من نعيم الآخرة، فما يتمتع به في الدنيا قليل بالإضافة إلى ما يتمتع به الأولياء في الجنة.
إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شئ قدير (39) قوله تعالى: (إلا تنفروا يعذبكم) سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حثهم على غزو الروم تثاقلوا، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس. وقال قوم: هذه خاصة فيمن استنفره رسول الله فلم ينفر، قال ابن عباس: استنفر رسول الله حيا من أحياء العرب فتثاقلوا عنه، فأمسك عنهم المطر فكان عذابهم. وفي قوله [تعالى]: (ويستبدل قوما غيركم) وعيد شديد في التخلف عن الجهاد، وإعلام بأنه يستبدل لنصر نبيه قوما غير متثاقلين. ثم أعلمهم أنهم إن تركوا نصره لم يضروه، كما لم يضرره ذلك إذ كان بمكة. وفي هاء " تضروه " قولان:
أحدهما: أنها ترجع إلى الله، والمعنى: لا تضروا الله بترك النفير، قاله الحسن.
والثاني: أنها ترجع إلى رسول الله، فالمعنى: لا تضروه بترك نصره، قاله الزجاج.
فصل وقد روي عن ابن عباس، والحسن، وعكرمة، قالوا: نسخ قوله [تعالى]: (إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما) بقوله: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) وقال أبو سليمان الدمشقي: ليس هذا من المنسوخ، إذ لا تنافي بين الآيتين، وإنما حكم كل آية قائم في موضعها. وذكر القاضي أبو يعلى عن بعض العلماء أنهم قالوا: ليس هاهنا نسخ، ومتى لم يقاوم أهل الثغور العدو، ففرض على الناس النفير إليهم، ومتى استغنوا عن إعانة من وراءهم، عذر القاعدون عنهم. وقال قوم هذا في غزوة تبوك، ففرض على الناس النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.