فصل روى عطاء الخراساني عن ابن عباس أن هذه الآية منسوخة بقوله [تعالى]: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة). وقال السدي: نسخت بقوله [تعالى]: (ليس على الضعفاء ولا على المرضى).
قوله تعالى: (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم) قال القاضي أبو يعلى: أوجب الجهاد بالمال والنفس جميعا، فمن كان له مال وهو مريض أو مقعد أو ضعيف لا يصلح للقتال، فعليه الجهاد بماله، بأن يعطيه غيره فيغزو به، كما يلزمه الجهاد بنفسه إذا كان قويا. وإن كان له مال وقوة، فعليه الجهاد بالنفس والمال. ومن كان معدما عاجزا، فعليه الجهاد بالنصح لله ورسوله، لقوله [تعالى]: (ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله).
قوله تعالى: (ذلكم خير لكم) فيه قولان:
أحدهما: ذلكم خير لكم من تركه والتثاقل عنه.
والثاني: ذلكم الجهاد خير حاصل لكم (إن كنتم تعلمون) مالكم من الثواب.
لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون (42) قوله تعالى: (لو كان عرضا قريبا) قال المفسرون: نزلت في المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك. ومعنى الآية: لو كان ما دعوا إليه عرضا قريبا. والعرض: كل ما عرض لك من منافع الدنيا، فالمعنى: لو كانت غنيمة قريبة، أو كان سفرا قاصدا، أي: سهلا قريبا، لاتبعوك طمعا في المال (ولكن بعدت عليهم الشقة) قال ابن قتيبة: الشقة: السفر، وقال الزجاج: الشقة:
الغاية التي تقصد، وقال ابن فارس: الشقة: مصير إلى أرض بعيدة، تقول: شق شاقة.
قوله تعالى: (وسيحلفون بالله) يعني المنافقين إذا رجعتم إليهم (لو استطعنا) وقرأ زائدة عن الأعمش، والأصمعي عن نافع: " لو استطعنا " بضم الواو، وكذا أين وقع، مثل (لو اطلعت عليهم)، كأنه لما احتيج إلى حركة الواو، حركت بالضم لأنها أخت الواو، والمعنى: لو قدرنا وكان لنا سعة في المال. (يهلكون أنفسهم) بالكذب والنفاق (والله يعلم إنهم لكاذبون) لأنهم كانوا أغنياء ولم يخرجوا.