دعاءهم بمنزلة من قد نسيهم.
ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون (42) قوله تعالى: (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك) في الآية محذوف، تقديره: ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك رسلا فخالفوهم، فأخذناهم بالبأساء، وفيها ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها الزمانة والخوف، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنها البؤس، وهو الفقر، قاله ابن قتيبة.
والثالث: أنها الجوع، ذكره الزجاج. وفي الضراء ثلاثة أقوال:
أحدها: البلاء، والجوع، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: النقص في الأموال والأنفس، ذكره الزجاج.
والثالث: الأسقام والأمراض، قاله أبو سليمان.
قوله تعالى: (لعلهم يتضرعون) أي: لكي يتضرعوا. والتضرع: التذلل والاستكانة. وفي الكلام محذوف تقديره: فلم يتضرعوا.
فلو إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون (43) قوله تعالى: (فلولا) معناه: " فهلا ". والبأس: العذاب. ومقصود الآية: أن الله تعالى أعلم نبيه [صلى الله عليه وسلم] أنه قد أرسل إلى قوم قبله بلغوا من القسوة أنهم أخذوا بالشدائد، فلم يخضعوا، وأقاموا على كفرهم، وزين لهم الشيطان ضلالتهم فأصروا عليها.
فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون (44) قوله تعالى: (فلما نسوا ما ذكروا به) قال ابن عباس: تركوا ما وعظوا به. (فتحنا عليهم أبواب كل شئ) يريد رخاء الدنيا وسرورها. وقرأ أبو جعفر، وابن عامر: " فتحنا " بالتشديد هنا وفي (الأعراف)، وفي (الأنبياء): " فتحت "، وفي (القمر): " فتحنا "، والجمهور على تخفيفهن.
قال الزجاج: أبواب كل شئ كان مغلقا عنهم من الخير، حتى إذا ظنوا أن ما كان نزل بهم، لم يكن انتقاما، وما فتح عليهم، باستحقاقهم، أخذناهم بغتة، أي فاجأهم عذابنا.
وقال ابن الأنباري: إنما أراد بقوله تعالى: " كل شئ ": التأكيد، كقول القائل: أكلنا عند