وعشائرنا ومساكننا، فنزلت هذه الآية، قاله ابن سيرين.
والثالث: أنه لما نزلت الآية التي قبلها، قالوا: يا رسول الله، إن نحن اعتزلنا من خالفنا في الدين، قطعنا آباءنا وعشيرتنا، وذهبت تجارتنا، وخربت ديارنا، فنزلت هذه الآية، ذكره بعض المفسرين في هذه الآية، وذكره بعضهم في الآية الأولى كما حكيناه عن ابن عباس. فأما العشيرة، فهم الأقارب الأدنون. وروى أبو بكر عن عاصم " وعشيراتكم " على الجمع. قال أبو علي: وجهه أن كل واحد من المخاطبين له عشيرة، فإذا جمعت قلت: عشيراتكم، وحجة من أفرد: أن العشيرة واقعة على الجمع، فاستغنى بذلك عن جمعها. وقال الأخفش: لا تكاد العرب تجمع عشيرة:
عشيرات، إنما يجمعونها على عشائر. والاقتراف بمعنى الاكتساب. والتربص: الانتظار.
وفي قوله [تعالى]: (حتى يأتي الله بأمره) قولان:
أحدهما: أنه فتح مكة، قاله مجاهد والأكثرون، ومعنى الآية: إن كان المقام في أهاليكم، وكانت الأموال التي اكتسبتموها (وتجارة تخشون كسادها) لفراقكم بلدكم (ومساكن ترضونها أحب إليكم) من الهجرة، فأقيموا غير مثابين، حتى تفتح مكة، فيسقط فرض الهجرة.
والثاني: أنه العقاب، قاله الحسن.
لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين (25) قوله تعالى: (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) أي: في أماكن. قال الفراء: وكل جمع كانت فيه ألف قبلها حرفان وبعدها حرفان لم يجر، مثل صوامع، ومساجد: وجرى " حنين " لأنه اسم لمذكر، وهو واد بين مكة والطائف، وإذا سميت ماء أو واديا أو جبلا باسم مذكر لا علة فيه، أجريته، من ذلك: حنين، وبدر، وحراء، وثبير، ودابق. ومعنى الآية: أن الله عز وجل أعلمهم أنهم إنما يغلبون بنصر الله لا بكثرتهم. وفي عددهم يوم حنين أربعة أقوال:
أحدها: أنهم كانوا ستة عشر ألفا، رواه عطاء عن ابن عباس.
والثاني: عشرة آلاف، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: كانوا اثني عشر ألفا، قاله قتادة، وابن زيد، وابن إسحاق، والواقدي.
والرابع: أحد عشر ألفا وخمسمائة، قاله مقاتل. قال ابن عباس: فقال ذلك اليوم سلمة بن سلامة بن وقش، وقد عجب لكثرة الناس: لن تغلب اليوم من قلة، فساء رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كلامه،