(وضاقت عليهم أنفسهم) بالهم والغم. (وظنوا) أي: أيقنوا (أن لا ملجأ) أي: لا معتصم من الله ومن عذابه إلا هو. (ثم تاب عليهم) أعاد التوبة تأكيدا، (ليتوبوا) قال ابن عباس: ليستقيموا. وقال غيره: وفقهم للتوبة ليدوموا عليها ولا يرجعوا إلى ما يبطلها. وسئل بعضهم عن التوبة النصوح، فقال: أن تضيق على التائب الأرض، وتضيق عليه نفسه، كتوبة كعب وصاحبيه.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونا مع الصادقين (119) قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) في سبب نزولها قولان:
أحدهما: أنها نزلت في قصة الثلاثة المتخلفين.
والثاني: أنها في أهل الكتاب. والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى اتقوا الله في إيمانكم بمحمد وكونوا مع الصادقين.
وفي المراد بالصادقين خمسة أقوال:
أحدها: أنه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قاله ابن عمر.
والثاني: أبو بكر وعمر، قاله سعيد بن جبير، والضحاك. وقد قرأ ابن السميفع، وأبو المتوكل، ومعاذ القارئ: " مع الصادقين " بفتح القاف وكسر النون على التثنية.
والثالث: أنهم الثلاثة الذين خلفوا، صدقوا النبي صلى الله عليه وسلم عن تأخرهم، قاله السدي.
والرابع: أنهم المهاجرون، لأنهم لم يتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد، قاله ابن جريج. قال أبو سليمان الدمشقي: وقيل: إن أبا بكر الصديق احتج بهذه الآية يوم السقيفة، فقال: يا معشر الأنصار، إن الله يقول في كتابه: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا) إلى قوله [تعالى]:
(أولئك هم الصادقون) من هم؟ قالت الأنصار: أنتم هم. قال: فإن الله تعالى يقول: (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) فأمركم أن تكونوا معنا، ولم يأمرنا أن نكون معكم، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء.
والخامس: أنه عام، قاله قتادة. و " مع " بمعنى: " من "، وكذلك هي في قراءة ابن مسعود:
" وكونوا من الصادقين ".
ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا