والرابع: لولا كتاب من الله سبق من أنه يغفر لمن عمل الخطايا ثم علم ما عليه فتاب، ذكره الزجاج.
والخامس: لولا القرآن الذي اقتضى غفران الصغائر، لعذبتم، ذكره الماوردي. فيخرج في الكتاب قولان:
أحدهما: أنه كتاب مكتوب حقيقة. ثم فيه قولان:
أحدهما: أنه ما كتبه الله في اللوح المحفوظ.
والثاني: أنه القرآن.
والثاني: أنه بمعنى القضاء.
فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم (69) يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم (70) قوله تعالى: (فكلوا مما غنمتم) قال الزجاج: الفاء للجزاء. والمعنى: قد أحللت لكم الفداء فكلوا. والحلال منصوب على الحال. قال مقاتل: إن الله غفور لما أخذتم من الغنيمة قبل حلها، رحيم بكم إذ أحلها لكم. فجعل رسول الله عمر بن الخطاب، وخباب بن الأرت يوم بدر على القبض، وقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وانطلق بالأسارى، فيهم العباس، وعقيل، ونوفل ابن الحارث بن عبد المطلب. وكان مع العباس يومئذ عشرون أوقية من ذهب، فلم تحسب له من فدائه، وكلف أن يفدي ابني أخيه، فأدى عنهما ثمانين أوقية من ذهب. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أضعفوا على العباس الفداء " فأخذوا منه ثمانين أوقية، وكان فداء كل أسير أربعين أوقية. فقال العباس لرسول الله: لقد تركتني ما حييت أسأل قريشا بكفي. فقال له: " أين الذهب الذي تركته عند أم الفضل "؟ فقال: أي الذهب؟ فقال: " إنك قلت لها: إني لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا، فإن حدث بي حدث، فهو لك ولولدك " فقال: " ابن أخي، من أخبرك؟ فقال: " الله أخبرني "، فقال العباس: أشهد أنك صادق، وما علمت أنك رسول الله قبل اليوم، وأمر ابني أخيه فأسلما.
وفيهم نزلت: (قل لمن في أيديكم من الأسارى) الآية. وروى العوفي عن ابن عباس أنها نزلت في جميع من أسر يوم بدر. وقال ابن زيد: لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجال، فقالوا: لولا أنا نخاف هؤلاء القوم لأسلمنا، ولكنا نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فلما كان يوم بدر، قال