" لأملأن ": لام القسم، والكلام بمعنى الشرط والجزاء، كأنه قيل له: من تبعك، أعذبه، فدخلت اللام للمبالغة والتوكيد. فلام " لأملأن " هي لام القسم، ولام " لمن تبعك " توطئة لها.
فأما قوله: " منهم " فقال ابن الأنباري: الهاء والميم عائدتان على ولد آدم، لأنه حين قال:
(ولقد خلقناكم ثم صورناكم) كان مخاطبا لولد آدم، فرجع إليهم، فقال: (لمن تبعك منهم) فجعلهم غائبين، لأن مخاطبتهم في ذا الموضع توقع لبسا، والعرب ترجع من الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى الخطاب. ومن قال: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) خطاب لآدم، قال:
أعاد الهاء والميم على ولده، لأن ذكره يكفي من ذكرهم، والعرب تكتفي بذكر الوالد من ذكر الأولاد إذا انكشف المعنى وزال اللبس. قال الشاعر:
أرى الخطفى بذ الفرزدق شعره * ولكن لا خيرا من كليب مجاشع أراد: أرى ابن الخطفي، فاكتفى بالخطفي من ابنه.
قوله تعالى: (لأملأن جهنم منكم) يعني أولاد آدم المخالفين وقرناءهم من الشياطين.
فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين (20) قوله تعالى: (فوسوس لهما الشيطان) قيل: إن الوسوسة: إخفاء الصوت. قال ابن فارس: الوسواس: صوت الحلي، ومنه وسواس الشيطان. و " لهما " بمعنى " إليهما "، (ليبدي لهما) أي: ليظهر لهما (ما ووري عنهما) أي: ستر. وقيل: إن لام " ليبدي " لام العاقبة، وذلك أن عاقبة الوسوسة أدت إلى ظهور عورتهما، ولم تكن الوسوسة لظهورها.
قوله تعالى: (إلا أن تكونا ملكين) قال الأخفش، والزجاج: معناه: ما نهاكما إلا كراهة أن تكونا ملكين. وقال ابن الأنباري: المعنى: إلا أن لا تكونا، فاكتفى ب " أن " من " لا " فأسقطها. فإن قيل: كيف انقاد آدم لإبليس، مستشرفا إلى أن يكون ملكا، وقد شاهد الملائكة ساجدة له؟ فعنه جوابان:
أحدهما: أنه عرف قربهم من الله، واجتماع أكثرهم حول عرشه، فاستشرف لذلك، قاله ابن الأنباري.
والثاني: أن المعنى: إلا أن تكونا طويلي العمر مع الملائكة (أو تكونا من الخالدين) لا تموتان أبدا، قاله أبو سليمان الدمشقي. وقد روى يعلى بن حكيم عن ابن كثير: " أن تكونا