والثالث: أن الخطاب الثاني للمشركين، ذكره جماعة من المفسرين، قالوا: والذي أنزل إليهم القرآن. وقال الزجاج: الذي أنزل: القرآن وما أتى به عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه مما أنزل عليه، لقوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا) (ولا تتبعوا من دونه أولياء) أي:
لا تتولوا من عدل عن دين الحق، وكل من ارتضى مذهبا فهو ولي أهل المذهب. وقوله تعالى:
(قليلا ما تذكرون) ما: زائدة مؤكدة، والمعنى: قليلا تتذكرون. قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم: " تذكرون " مشددة الذال والكاف. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: " تذكرون " خفيفة الذال مشددة الكاف. قال أبو علي: من قرأ " تذكرون " بالتشديد، أراد " تتذكرون " فأدغم التاء في الذال، وإدغامها فيها حسن، لأنها التاء مهموسة، والذال مجهورة، والمجهور أزيد صوتا من المهموس وأقوى، فادغام الأنقص في الأزيد حسن. فأما حمزة ومن وافقه، فإنهم حذفوا التاء التي أدغمها هؤلاء، وذلك حسن لاجتماع ثلاثة أحرف متقاربة. وقرأ ابن عامر:
" يتذكرون " بياء وتاء، على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى: قليلا ما يتذكر هؤلاء الذين ذكروا بهذا الخطاب.
وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون (4) قوله تعالى: (وكم من قرية أهلكناها) و " كم " تدل على الكثرة، و " رب ": موضوعة للقلة. قال الزجاج: المعنى: وكم من أهل قرية، فحذف الأهل، لأن في الكلام دليلا عليه.
وقوله تعالى: (فجاءها) محمول على لفظ القرية، والمعنى: فجاءهم بأسنا غفلة وهم غير متوقعين له، إما ليلا وهم نائمون، أو نهارا وهم قائلون. قال ابن قتيبة: بأسنا عذابنا وبياتا: ليلا.
وقائلون: من القائلة نصف النهار. فإن قيل: إنما أتاها البأس قبل الإهلاك، فكيف يقدم الهلاك؟
فعنه ثلاثة أجوبة.
أحدها: أن الهلاك والبأس يقعان معا، كما تقول: أعطيتني فأحسنت، وليس الإحسان بعد الإعطاء ولا قبله، وإنما وقعا معا، قاله الفراء.
والثاني: أن الكون مضمر في الآية، تقديره: أهلكناها، وكان بأسنا قد جاءها، فأضمر الكون، كما أضمر في قوله: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين)، أي: ما كانت الشياطين تتلوه. وقوله تعالى: (إن يسرق)، أي: إن يكن سرق.
والثالث: أن في الآية تقديما وتأخيرا، تقديره: وكم من قرية جاءها بأسنا بياتا، أو هم قائلون