فلان كل شئ، وكنا عنده في كل سرور، يريد بهذا العموم تكثير ما يصفه والإطناب فيه، كقوله [تعالى]: (وأوتيت من كل شئ). وقال الحسن: من وسع عليه فلم ير أنه لم يمكر به، فلا رأي له، ومن قتر عليه فلم ير أنه ينظر له، فلا رأي له، ثم قرأ هذه الآية، وقال: مكر بالقوم ورب الكعبة، أعطوا حاجاتهم ثم أخذوا.
قوله تعالى: (فإذا هم مبلسون) في المبلس خمسة أقوال.
أحدها: أنه الآيس من رحمة الله عز وجل، رواه الضحاك عن ابن عباس، وقال في رواية أخرى: الآيس من كل خير. وقال الفراء: المبلس: اليائس المنقطع رجاؤه، ولذلك قيل للذي يسكت عند انقطاع حجته، فلا يكون عنده جواب: قد أبلس. قال العجاج:
يا صاح هل تعرف رسما مكرسا * قال نعم! أعرفه! وأبلسا!
أي: لم يحر جوابا. وقيل: المكرس: الذي قد بعرت فيه الإبل، وبولت، فيركب بعضه بعضا.
والثاني: أنه المفتضح. قال مجاهد: الإبلاس: الفضيحة.
والثالث: أنه المهلك، قاله السدي.
والرابع: أنه المجهود المكروب الذي قد نزل به من الشر مالا يستطيعه، قاله ابن زيد.
والخامس: أنه الحزين النادم، قاله أبو عبيدة، وأنشد لرؤبة:
وحضرت يوم الخميس الأخماس * وفي الوجوه صفرة وإبلاس أي: اكتئاب، وكسوف، وحزن.
وقال الزجاج: هو الشديد الحسرة، الحزين، اليائس. وقال في موضع آخر: المبلس: الساكت المتحير.
فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين (45) قوله تعالى: (فقطع دابر القوم الذين ظلموا) قال ابن السائب: دابرهم: الذي يتخلف في آخرهم. والمعنى: أنهم استؤصلوا. وقال أبو عبيدة: دابرهم: آخرهم الذي يدبرهم: قال ابن قتيبة: هو كما يقال: اجتث أصلهم.
قال المفسرون: وإنما حمد نفسه على قطع دابرهم، لأن ذلك إنعام على رسلهم الذين كذبوهم، وعلم الحمد على كفايته شر الظالمين.
قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به أنظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون (46)