أحدهما: أن الأولى كانت في المنام، والثانية في اليقظة.
والثاني: أن الأولى للنبي [صلى الله عليه وسلم] خاصة، والثانية له ولأصحابه، فإن قيل: تكثير المؤمنين في أعين الكافرين أولى، لمكان إعزازهم، فعنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنهم لو كثروا في أعينهم، لم يقدموا عليهم، فلم يكن قتال، والقتال سبب النصر، فقللهم لذلك.
والثاني: أنه قللهم لئلا يتأهب المشركون كل التأهب، فإذا تحقق القتال، وجدهم المسلمون غير مستعدين، فظفروا بهم.
والثالث: أنه قللهم ليحمل الأعداء عليهم في كثرتهم، فيغلبهم المسلمون، فيكون ذلك آية للمشركين ومنبها على نصرة الحق.
يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون (45) وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين (46) قوله تعالى: (إذا لقيتم فئة فاثبتوا) الفئة: الجماعة. (واذكروا الله كثيرا) فيه قولان:
أحدهما: أنه الدعاء والنصر.
والثاني: ذكر الله على الإطلاق.
قوله تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا) قد سبق ذكر التنازع والفشل آنفا.
قوله تعالى: (وتذهب ريحكم) وروى أبان: " ويذهب " بالياء والجزم. وفيه أربعة أقوال:
أحدها: تذهب شدتكم، قاله أبو صالح عن ابن عباس. وقال السدي: حدتكم وجدكم. وقال الزجاج: صولتكم وقوتكم.
والثاني: يذهب نصركم، قاله مجاهد، وقتادة.
والثالث: تتقطع دولتكم، قاله أبو عبيدة. وقال ابن قتيبة: يقال: هبت له ريح النصر: إذا كانت له الدولة. ويقال: له الريح اليوم، أي: الدولة.
والرابع: أنها ريح حقيقة، ولم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله فتضرب وجوه العدو، ومنه قوله عليه السلام: " نصرت بالصبا "، وأهلكت عاد بالدبور " وهذا قول ابن زيد، ومقاتل.
ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله