عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين (43) قوله تعالى: (عفا الله عنك لم أذنت لهم) كان عليه السلام قد أذن لقوم من المنافقين في التخلف لما خرج إلى تبوك، قال ابن عباس: ولم يكن يومئذ يعرف المنافقين. قال عمرو بن ميمون: اثنتان فعلهما رسول الله ولم يؤمر بهما: إذنه للمنافقين، وأخذه الفداء من الأسارى، فعاتبه الله كما تسمعون. قال مورق: عاتبه ربه بهذا. وقال سفيان بن عيينة: انظر إلى هذا اللطف، بدأه بالعفو قبل أن يعيره بالذنب. وقال ابن الأنباري: لم يخاطب بهذا لجرم أجرمه، لكن الله وقره ورفع من شأنه حين افتتح الكلام بقوله [تعالى]: (عفا الله عنك) كما يقول الرجل لمخاطبة إذا كان كريما عليه: عفا الله عنك، ما صنعت في حاجتي؟ ورضي الله عنك، هلا زرتني.
قوله تعالى: (حتى يتبين لك الذين صدقوا) فيه قولان:
أحدهما: أن معناه: حتى تعرف ذوي العذر في التخلف ممن لا عذر له.
والثاني: لو لم تأذن لهم لقعدوا وبان لك كذبهم في اعتذارهم. قال قتادة: ثم إن الله تعالى نسخ هذه الآية بقوله [تعالى]: (فائذن لمن شئت منهم).
لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين (44) إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون (45) قوله تعالى: (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله) قال ابن عباس: هذا تعيير للمنافقين حين استأذنوا في القعود. قال الزجاج: أعلم الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن علامة النفاق في ذلك الوقت الاستئذان.
فصل وروي عن ابن عباس أنه قال: نسخت هذه الآية بقوله [تعالى]: (لم يذهبوا حتى يستأذنوه..) إلى آخر الآية. قال أبو سليمان الدمشقي: وليس للنسخ هاهنا مدخل، لإمكان العمل بالآيتين، وذلك أنه إنما عاب على المنافقين أن يستأذنوه في القعود عن الجهاد من غير عذر، وأجاز للمؤمنين الاستئذان لما يعرض لهم من حاجة، وكان المنافقون إذا كانوا معه فعرضت