إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم (40) قوله تعالى: (إلا تنصروه) أي: بالنفير معه (فقد نصره الله) إعانة على أعدائه، (إذ أخرجه الذين كفروا) حين قصدوا إهلاكه على ما شرحنا في قوله [تعالى]: (وإذ يمكر بك الذين كفروا) فأعلمهم أن نصره ليس بهم.
قوله تعالى: (ثاني اثنين) العرب تقول: هو ثاني اثنين، أي: أحد الاثنين، وثالث ثلاثة، أي: أحد الثلاثة، قال الزجاج: وقوله [تعالى]: (ثاني اثنين) منصوب على الحال، المعنى: فقد نصره الله أحد اثنين، أي: نصره منفردا إلا من أبي بكر، وهذا معنى قول الشعبي:
عاتب الله أهل الأرض جميعا في هذه الآية غير أبي بكر. وقال ابن جرير: المعنى: أخرجوه وهو أحد الاثنين، وهما رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وأبو بكر. فأما الغار، فهو ثقب في الجبل، وقال ابن فارس:
الغار: الكهف، والغار: نبت طيب الريح، والغار: الجماعة من الناس، والغاران: البطن والفرج، وهما الأجوفان، يقال: إنما هو عبد غاريه. قال الشاعر:
ألم تر أن الدهر يوم وليلة * وأن الفتى يسعى لغاريه دائبا قال قتادة: وهذا الغار في جبل بمكة يقال له: ثور. قال مجاهد: مكثا فيه ثلاثا. وقد ذكرت حديث الهجرة في كتاب " الحدائق ". قال أنس بن مالك: أمر الله عز وجل شجرة فنبتت في وجه رسول الله فسترته، وأمر العنكبوت فنسجت في وجهه، وأمر حمامتين وحشيتين فوقعتا في فم الغار، فلما دنوا من الغار، عجل بعضهم لينظر، فرأى حمامتين، فرجع فقال: رأيت حمامتين على فم الغار، فعلمت أنه ليس فيه أحد وقال مقاتل: جاء القائف فنظر إلى الأقدام فقال: هذه قدم ابن أبي قحافة، والأخرى لا أعرفها، إلا أنها تشبه القدم التي في المقام. وصاحبه في هذه الآية أبو بكر، وكان أبو بكر قد بكى لما مر المشركون على باب الغار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " ما ظنك باثنين الله ثالثهما "؟