قوله تعالى: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) سبب نزولها: أنه لما نزل وعيد اللامزين قالوا: يا رسول الله استغفر لنا، فنزلت هذه الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سوف أستغفر لهم أكثر من سبعين، لعل الله يغفر لهم " فنزل قوله [تعالى]: (سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم).
قاله أبو صالح عن ابن عباس. وظاهر قوله: " استغفر لهم " الأمر، وليس كذلك، إنما المعنى: إن استغفرت، وإن لم تستغفر، لا يغفر لهم، فهو كقوله [تعالى]: (أنفقوا طوعا أو كرها)، وقد سبق شرح هذا المعنى هناك، هذا قول المحققين. وذهب قوم إلى أن ظاهر اللفظ يعطي أنه إن زاد على السبعين، رجي لهم الغفران. ثم نسخت بقوله [تعالى]: (سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم).
فإن قيل: كيف جاز أن يستغفر لهم، وقد أخبر بأنهم كفروا؟
فالجواب: أنه إنما استغفر لقوم منهم على ظاهر إسلامهم من غير أن يتحقق خروجهم عن الإسلام، ولا يجوز أن يقال: علم كفرهم ثم استغفر.
فإن قيل: ما معنى حصر العدد بسبعين؟
فالجواب: أن العرب تستكثر في الآحاد من سبعة، وفي العشرات من سبعين.
فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون (81) قوله تعالى: (فرح المخلفون) يعني المنافقين الذين تخلفوا عن رسول الله في غزوة تبوك.
والمخلف: المتروك خلف من مضى. " بمقعدهم " أي: بقعودهم. وفي قوله [تعالى]: (خلاف رسول الله) قولان:
أحدهما: أن معناه: بعد رسول الله، قاله أبو عبيدة.
والثاني: أن معناه: مخالفة رسول الله، وهو منصوب، لأنه مفعول له، فالمعنى: بأن قعدوا لمخالفة رسول الله، قاله الزجاج. وقرأ ابن مسعود، وابن يعمر، والأعمش، وابن أبي عبلة: " خلف رسول الله "، ومعناها: أنهم تأخروا عن الجهاد. وفي قوله [تعالى]: (لا تنفروا في الحر) قولان:
أحدهما: أنه قول بعضهم لبعض، قاله ابن إسحاق، ومقاتل.
والثاني: أنهم قالوه للمؤمنين، ذكره الماوردي. وإنما قالوا هذا، لأن الزمان كان حينئذ شديد الحر. (قل نار جهنم أشد حرا) لمن خالف أمر الله.
وقوله [تعالى] (يفقهون) معناه: يعلمون. قال ابن فارس: الفقه: العلم بالشئ. تقول: