القهقري. قال ابن السائب: كان إبليس في صف المشركين على صورة سراقة، آخذا بيد الحارث ابن هشام، فرأى الملائكة فنكص على عقبيه، فقال له الحارث: أفرارا من غير قتال؟ فقال: (إني أرى مالا ترون): فلما هزم المشركون، قالوا: هزم الناس سراقة، فبلغه ذلك، فقال: والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم. قال قتادة: صدق عدو الله في قوله: (إني أرى مالا ترون)، ذكر لنا أنه رأى جبريل ومعه الملائكة، فعلم أنه لا يد له بالملائكة، وكذب عدو الله في قوله: (إني أخاف الله)، والله ما به مخافة الله، ولكن علم أنه لا قوة له بهم. وقال عطاء: معناه: إني أخاف الله أن يهلكني. وقال ابن الأنباري: لما رأى نزول الملائكة، خاف أن تكون القيامة، فيكون انتهاء إنظاره، فيقع به العذاب. ومعنى " نكص " رجع هاربا بخزي وذل.
واختلفوا في قوله [تعالى]: (والله شديد العقاب) هل هو ابتداء كلام، أو تمام الحكاية عن إبليس، على قولين.
إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم (49) قوله تعالى: (إذ يقول المنافقون) قال ابن عباس: هم قوم من أهل المدينة من الأوس والخزرج. فأما الذين في قلوبهم مرض، ففيهم ثلاثة أقوال:
أحدها: انهم قوم كانوا قد تكلموا بالإسلام، بمكة، فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر كرها، فلما رأوا قلة المسلمين وكثرة المشركين، ارتابوا ونافقوا، وقالوا: (غر هؤلاء دينهم)، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وإليه ذهب الشعبي في آخرين. وعدهم مقاتل، فقال: كانوا سبعة: قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، والحارث بن زمعة، وعلي بن أمية بن خلف، والعاص بن منبه بن الحجاج، والوليد بن الوليد بن المغيرة، والوليد بن عتبة بن ربيعة.
والثاني: أنهم المشركون، لما رأوا قلة المسلمين، قالوا: " غر هؤلاء دينهم " رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال الحسن.
والثالث: أنهم قوم مرتابون، لم يظهروا عداوة النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره الماوردي. والمرض هاهنا:
الشك، والإشارة بقوله [تعالى]: " هؤلاء " إلى المسلمين، وإنما قالوا هذا، لأنهم رأوا قلة المسلمين، فلم يشكوا في أن قريشا تغلبهم.
ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق (50)