قوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) وقرأ يعقوب، والقزاز عن عبد الوارث:
" عشر " بالتنوين، " أمثالها " بالرفع. قال ابن عباس: يريد: من عملها، كتبت له عشر حسنات.
(ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا) جزاء (مثلها). وفي الحسنة والسيئة هاهنا قولان:
أحدهما: أن الحسنة: قول لا إله إلا الله. والسيئة: الشرك، قاله ابن مسعود، ومجاهد، والنخعي.
والثاني: أنه عام في كل حسنة وسيئة. روى مسلم في " صحيحه " من حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله عز وجل: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها أو أغفر " فإن قيل: إذا كانت الحسنة كلمة التوحيد، فأي مثل لها حتى يجعل جزاء قائلها عشر أمثالها؟ فالجواب: أن جزءا الحسنة معلوم القدر عند الله، فهو يجازي فاعلها بعشر أمثاله، وكذلك السيئة. وقد أشرنا إلى هذا في (المائدة) عند قوله: (فكأنما قتل الناس جميعا) فإن قيل: المثل مذكر، فلم قال: (عشر أمثالها) والهاء إنما تسقط في عدد المؤنث؟ فالجواب: أن الأمثال خلقت حسنات مؤنثة، وتلخيص المعني: فله عشر حسنات أمثالها، فسقطت الهاء من عشر، لأنها عدد مؤنث، كما تسقط عند قولك: عشر نعال، وعشر جباب.
قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين (161) قوله تعالى: (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم) قال الزجاج: أي: دلني على الدين الذي هو دين الحق. ثم فسر ذلك بقوله: (دينا قيما) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: " قيما " مفتوحة القاف، مشددة الياء. والقيم: المستقيم. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: " قيما " بكسر القاف وتخفيف الياء. قال الزجاج: وهو مصدر، كالصغر والكبر. وقال مكي من خففه بناه على " فعل " وكان أصله أن يأتي بالواو، فيقول: " قوما " كما قالوا: عوض، وحول، ولكنه شذ عن القياس. قال الزجاج: ونصب قوله: (دينا قيما) محمول على المعنى، لأنه لما قال:
" هداني " دل على عرفني دينا، ويجوز أن يكون على البدل من قوله: (إلى صراط مستقيم)، فالمعنى: هداني صراطا مستقيما دينا قيما. و " حنيفا " منصوب على الحال من إبراهيم، والمعنى:
هداني ملة إبراهيم في حال حنيفيته.
قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (162) لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين (163)