فصل فأما سبب نزولها، فقال المفسرون: أخذت العرب تنقض عهودا بنتها مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فأمره الله تعالى بإلقاء عهودهم إليهم، فأنزل (براءة) في سنة تسع، فبعث رسول الله أبا بكر أميرا على الموسم ليقيم للناس الحج في تلك السنة، وبعث معه صدرا من (براءة) ليقرأها على أهل الموسم، فلما سار، دعا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عليا، فقال: " اخرج بهذه القصة من صدر (براءة) وأذن في الناس بذلك " فخرج علي على ناقة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] العضباء حتى أدرك أبا بكر، فرجع أبو بكر فقال: يا رسول الله، أنزل في شأني شئ؟ قال: " لا، ولكن لا يبلغ عني إلا رجل مني، أما ترضى أنك كنت صاحبي في الغار، وأنك صاحبي على الحوض "؟ قال: بلى يا رسول الله. فسار أبو بكر أميرا على الحج، وسار علي ليؤذن ب (براءة).
فصل وفي عدد الآيات التي بعثها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من أول (براءة) خمسة أقوال:
أحدها: أربعون آية، قاله علي عليه السلام.
والثاني: ثلاثون آية، قاله أبو هريرة.
والثالث: عشر آيات، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والرابع: سبع آيات، رواه ابن جريج عن عطاء.
والخامس: تسع آيات، قاله مقاتل.
فصل فإن توهم متوهم أن في أخذ (براءة) من أبي بكر، وتسليمها إلى علي، تفضيلا لعلي على أبي بكر، فقد جهل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجرى العرب في ذلك على عادتهم. قال الزجاج: وقد جرت عادة العرب في عقد عهدها ونقضها، أن يتولى ذلك على القبيلة رجل منها فكان. وجائز أن تقول العرب إذا تلا عليها نقض العهد من ليس من رهط النبي صلى الله عليه وسلم: هذا خلاف ما نعرف فينا في نقض العهود، فأزاح النبي صلى الله عليه وسلم العلة بما فعل. وقال عمرو بن بحر: ليس هذا بتفضيل لعلي على أبي بكر، وإنما عاملهم بعادتهم المتعارفة في حل العقد، وكان لا يتولى ذلك إلا السيد منهم، أو رجل من رهطه دنيا، كأخ، أو عم، وقد كان أبو بكر في تلك الحجة الإمام، وعلي يأتم به، وأبو بكر الخطيب، وعلي يستمع. وقال أبو هريرة: بعثني أبو بكر في تلك الحجة مع المؤذنين الذين بعثهم يؤذنون بمنى: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، فأذن معنا علي ب (براءة) وبذلك الكلام. وقال الشعبي: بعث رسول الله عليا يؤذن بأربع كلمات: " ألا لا يحج بعد العام مشرك، ألا ولا يطوف بالبيت عريان، ألا ولا يدخل الجنة إلا مسلم، ألا ومن كانت بينه وبين محمد مدة فأجله إلى مدته، والله برئ من المشركين ورسوله ".