القول الذي لم يتصرح لفظه. وقال ابن جرير: في الكلام محذوف، تقديره: ما منعك من السجود، فأحوجك أن لا تسجد؟. قال الزجاج: وسؤال الله تعالى لإبليس " ما منعك " توبيخ له، وليظهر أنه معاند، ولذلك لم يتب، وأتى بشئ في معنى الجواب، ولفظه غير جواب، لأن قوله: (أنا خير منه) إنما هو جواب، أيكما خير؟ ولكن المعنى: منعني من السجود فضلي عليه. ومثله قولك للرجل: كيف كنت؟ فيقول: أنا صالح، وإنما الجواب: كنت صالحا فيجيب بما يحتاج إليه وزيادة. قال العلماء: وقع الخطأ من إبليس حين قاس مع وجود النص، وخفي عليه فضل الطين على النار، وفضله من وجوه.
أحدها: أن من طبع النار الطيش والالتهاب والعجلة، ومن طبع الطين الهدوء والرزانة.
والثاني: أن الطين سبب الإنبات والإيجاد، والنار سبب الإعدام والإهلاك.
والثالث: أن الطين سبب جمع الأشياء، والنار سبب تفريقها.
قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فأخرج إنك من الصاغرين (13) قوله تعالى: (فاهبط منها) في هاء الكناية قولان:
أحدهما: أنها ترجع إلى السماء، لأنه كان فيها، قاله الحسن.
والثاني: إلى الجنة، قاله السدي.
قوله تعالى: (فما يكون لك أن تتكبر فيها) إن قيل: فهل لأحد أن يتكبر في غيرها؟
فالجواب: أن المعنى: ما للمتكبر أن يكون فيها، وإنما المتكبر في غيرها. وأما الصاغر، فهو الذليل. والصغار: الذل. قال الزجاج: استكبر إبليس بإبائه السجود، فأعلمه الله أنه صاغر بذلك.
قال أنظرني إلى يوم يبعثون (14) قال إنك من المنظرين (15) قوله تعالى: (قال أنظرني) أي أمهلني وأخرني (إلى يوم يبعثون)، فأراد أن يعبر فنظرة الموت، وسأل الخلود، فلم يجبه إلى ذلك، وأنظره إلى النفخة الأولى حين يموت الخلق كلهم.
وقد بين مدة إمهاله في (الحجر) بقوله: (إلى يوم الوقت المعلوم). وفي ما سأل الإمهال له قولان:
أحدهما: الموت.
والثاني: العقوبة. فإن قيل: كيف قيل له: (إنك من المنظرين) وليس أحد أنظر سواه؟