ابن عباس. وإنما دخلت الميم في الاستفهام، لأنه استفهام معترض في وسط الكلام، فدخلت لتفرق بينه وبين الاستفهام المبتدأ. قال الفراء: ولو أريد به الابتداء، لكان إما بالألف، أو ب " هل "، ومعنى الكلام: أن تتركوا بغير امتحان يبين به الصادق من الكاذب. (ولما يعلم الله) أي: ولم تجاهدوا فيعلم الله وجود ذلك منكم، وقد كان يعلم ذلك غيبا، فأراد إظهار ما علم ليجازي على العمل.
فأما الوليجة، فقال ابن قتيبة: هي البطانة من غير المسلمين، وهو أن يتخذ الرجل من المسلمين دخيلا من المشركين وخليطا ووادا، وأصله من الولوج. قال أبو عبيدة: وكل شئ أدخلته في شئ ليس منه فهو وليجة، والرجل يكون في القوم وليس منهم فهو وليجة فيهم.
ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون (17) إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين (18) قوله تعالى: (ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: " مسجد الله " على التوحيد، " إنما يعمر مساجد الله " على الجمع. وقرأ عاصم، ونافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي على الجمع فيهما. وسبب نزولها أن جماعة من رؤساء قريش أسروا يوم بدر فيهم العباس بن عبد المطلب، فأقبل عليهم نفر من أصحاب رسول الله فعيروهم بالشرك، وجعل علي بن أبي طالب يوبخ العباس بقتال رسول الله وقطيعة الرحم، فقال العباس: مالكم تذكرون مساوئنا وتكتمون محاسننا؟ فقالوا: وهل لكم من محاسن؟ قالوا: نعم، لنحن أفضل منكم أجرا، إنا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقي الحجيج، ونفك العاني، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل في جماعة. وفي المراد بالعمارة قولان:
أحدهما: دخوله والجلوس فيه.
والثاني: البناء له وإصلاحه، فكلاهما محظور على الكافر. والمراد من قوله [تعالى]: (ما كان للمشركين) أي: يجب على المسلمين منعهم من ذلك. قال الزجاج: وقوله [تعالى]:
(شاهدين) حال. المعنى: ما كانت لهم عمارته في حال إقرارهم بالكفر، (أولئك حبطت أعمالهم) لأن كفرهم أذهب ثوابها.