قال: (وما يشعركم) ثم ابتدأ فأوجب، فقال: (إنها إذا جاءت لا يؤمنون) ولو قال: (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون)، كان ذلك عذرا لهم. وقرأ نافع، وحفص عن عاصم، وحمزة، والكسائي: " أنها " بفتح الألف، فعلى هذا، المخاطب بقوله: (وما يشعركم) رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وأصحابه، ثم في معنى الكلام قولان:
أحدهما: وما يدريكم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون. وفي قراءة أبي: لعلها إذا جاءت لا يؤمنون.
والعرب تجعل " أن " بمعنى " لعل ". يقولون: ائت السوق أنك تشتري لنا شيئا، أي: لعلك.
قال عدي بن زيد:
أعاذل ما يدريك أن منيتي * إلى ساعة في اليوم أو في ضحى غد أي: لعل منيتي. وإلى هذا المعنى ذهب الخليل، والفراء في توجيه هذه القراءة.
والثاني: أن المعنى: وما يدريكم أنها إذا جاءت يؤمنون، وتكون " لا " صلة، كقوله [تعالى]:
(ما منعك أن لا تسجد) وقوله [تعالى]: (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون) ذكره الفراء ورده الزجاج واختار الأول. والأكثرون على قراءة: " يؤمنون " بالياء، منهم ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، والكسائي، وحفص عن عاصم، وقرأ ابن عامر، وحمزة: بالتاء، على الخطاب للمشركين. قال أبو علي: من قرأ بالياء، فلأن الذين أقسموا أغيب، ومن قرأ بالتاء، فهو انصراف من الغيبة إلى الخطاب.
ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون (110) قوله تعالى: (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم) التقليب: تحويل الشئ عن وجهه. وفي معنى الكلام، أربعة أقوال:
أحدها: لو أتيناهم بآية كما سألوا، لقلبنا أفئدتهم وأبصارهم عن الإيمان بها، وحلنا بينهم وبين الهدى، فلم يؤمنوا كما لم يؤمنوا بما رأوا قبلها، عقوبة لهم على ذلك. وإلى هذا المعنى ذهب ابن عباس، ومجاهد، وابن زيد.
والثاني: أنه جواب لسؤالهم في الآخرة الرجوع إلى الدنيا، فالمعنى: لو ردوا لحلنا بينهم وبين الهدى كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا، روى هذا المعنى ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: ونقلب أفئدة هؤلاء وأبصارهم عن الإيمان بالآيات كما لم يؤمن أوائلهم من الأمم