وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شئ عليم (115) إن الله له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير (116) قوله تعالى: (وما كان الله ليضل قوما...) الآية، سبب نزولها: أنه لما نزلت آية الفرائض، وجاء النسخ، وقد غاب قوم وهم يعلمون بالأمر الأول مثل أمر القبلة والخمر، ومات أقوام على ذلك، سألوا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن ذلك، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
وقال قوم: المعنى: أنه بين أنه لم يكن ليأخذهم بالاستغفار للمشركين قبل تحريمه، فإذا حرمه ولم يمتنعوا عنه، فقد ضلوا. وقال ابن الأنباري: في الآية حذف واختصار، والتأويل: حتى يتبين لهم ما يتقون، فلا يتقونه، فعند ذلك يستحقون الضلال، فحذف ما حذف لبيان معناه، كما تقول العرب:
أمرتك بالتجارة فكسبت الأموال، يريدون: فتجرت فكسبت.
لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم (117) قوله تعالى: (لقد تاب الله على النبي) قال المفسرون: تاب عليه من إذنه للمنافقين في التخلف. وقال أهل المعاني: هو مفتاح كلام، وذلك أنه لما كان سبب توبة التائبين ذكر معهم، كقوله [تعالى]: (فأن لله خمسه وللرسول).
قوله تعالى: (الذين اتبعوه في ساعة العسرة) قال الزجاج: هم الذين اتبعوه في غزوة تبوك، والمراد بساعة العسرة: وقت العسرة، لأن الساعة تقع على كل الزمان، وكان في ذلك الوقت حر شديد، والقوم في ضيقة شديدة، كان الجمل بين جماعة يعتقبون عليه، وكانوا في فقر، فربما اقتسم التمرة اثنان، وربما مص التمرة الجماعة ليشربوا عليها الماء، وربما نحروا الإبل فشربوا من ماء كروشها من الحر. وقيل لعمر بن الخطاب: حدثنا عن ساعة العسرة، فقال: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستقطع، حتى إن الرجل ليذهب يلتمس الماء، فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، وحتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه، ويجعل ما بقي على كبده. فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن الله قد عودك في الدعاء خيرا،