فيجب أن لا يراعي اعتقادهم في ذلك، ولا يشترط أيضا أن يكون اعتقادهم في تحليل الذبائح اعتقاد المسلمين ولا اعتقاد شريعتهم لأنه لو اشترط ذلك لما جاز أكل ذبائحهم بوجه من الوجوه، لكون اعتقاد شريعتهم في ذلك منسوخا، واعتقاد شريعتنا لا يصح منهم، وإنما هذا حكم خصهم الله تعالى به، فذبائحهم والله أعلم جائزة لنا على الاطلاق وإلا ارتفع حكم آية التحليل جملة، فتأمل هذا فإنه بين والله أعلم. وأما المجوس فإن الجمهور على أنه لا تجوز ذبائحهم لأنهم مشركون، وتمسك قوم في إجازتها بعموم قوله عليه الصلاة والسلام: سنوا بهم سنة أهل الكتاب. وأما الصابئون فالاختلاف فيهم من قبل اختلافهم في هل هم من أهل الكتاب أم ليسوا من أهل الكتاب وأما المرأة والصبي فإن الجمهور على أن ذبائحهم جائزة غير مكروهة، وهو مذهب مالك، وكره ذلك أبو المصعب. والسبب في اختلافهم: نقصان المرأة والصبي، وإنما لم يختلف الجمهور في المرأة لحديث معاذ بن سعيد أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى بسلع فأصيبت شاة فأدركتها فذكتها بحجر، فسئل رسول الله (ص) عن ذلك فقال: لا بأس بها فكلوها وهو حديث صحيح. وأما المجنون والسكران فإن مالكا لم يجز ذبيحتهما، وأجاز ذلك الشافعي. وسبب الخلاف: اشتراط النية في الذكاة، فمن اشترط النية منع ذلك إلا يصح من المجنون ولا من السكران وبخاصة الملتخ. وأما جواز تذكية السارق والغاصب، فإن الجمهور على جواز ذلك، ومنهم من منع ذلك ورأي أنها ميتة، وبه قال داود وإسحاق بن راهويه. وسبب اختلافهم: هل النهي يدل على فساد المنهي عنه أو لا يدل؟ فمن قال يدل قال: السارق والغاصب منهي عن ذكاتها وتناولها وتملكها، فإذا كان ذكاها فسدت التذكية، ومن قال لا يدل إلا إذا كان المنهي عنه شرطا من شروط ذلك الفعل قال:
تذكيتهم جائزة لأنه ليس صحة الملك شرطا من شروط التذكية. وفي موطأ ابن وهب أنه سئل رسول الله (ص) عنها فلم ير بها بأسا وقد جاء إباحة ذلك مع الكراهية فيما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام في الشاة التي ذبحت بغير إذن ربها، فقال رسول الله (ص):
أطعموها الأسارى وهذا القدر كاف في أصول هذا الكتاب والله أعلم.