الصيد فأجازه إذا خرق ولم يجزه إذا لم يخرق. وبهذا القول قال مشاهير فقهاء الأمصار:
الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد والثوري وغيرهم، وهو راجع إلى أنه لا ذكاة إلا بمحدد.
وسبب اختلافهم: معارضة الأصول في هذا الباب بعضها بعضا، ومعارضة الأثر لها، وذلك أن من الأصول في هذا الباب أن الوقيذ محرم بالكتاب والاجماع، ومن أصوله أن العقر ذكاة الصيد، فمن رأى أن ما قتل المعراض وقيذ منعه على الاطلاق، ومن رآه عقر مختصا بالصيد وأن الوقيذ غير معتبر فيه أجازه على الاطلاق، ومن فرق بين ما خرق من ذلك أو لم يخرق فمصيرا إلى حديث عدي بن حاتم المتقدم. وهو الصواب. وأما الحيوان الجارح فالاتفاق والاختلاف فيه منه متعلق بالنوع والشرط، ومنه ما يتعلق بالشرط. فأما النوع الذي اتفقوا عليه فهو الكلاب ما عدا الكلب الأسود، فإنه كرهه قوم منهم الحسن البصري وإبراهيم النخعي وقتادة، وقال أحمد: ما أعرف أحدا يرخص فيه إذا كان بهيما، وبه قال إسحاق. وأما الجمهور فعلى إجازة صيده إذا كان معلما. وسبب اختلافهم: معارضة القياس للعموم، وذلك أن عموم قوله تعالى: * (وما علمتم من الجوارح مكلبين) * يقتضي تسوية جميع الكلاب في ذلك وأمره عليه الصلاة والسلام بقتل الكلب الأسود البهيم يقتضي في ذلك القياس أن لا يجوز اصطياده على رأي من رأى أن النهي يدل على فساد المنهي عنه. وأما الذي اختلفوا فيه من أنواع الجوارح فيما عدا الكلب ومن جوارح الطيور وحيواناتها الساعية، فمنهم من أجاز جميعها إذا علمت حتى السنور كما قال ابن شعبان، وهو مذهب مالك وأصحابه، وبه قال فقهاء الأمصار وهو مروي عن ابن عباس، أعني أن ما قبل التعليم من جميع الجوارح فهو آلة لذكاة الصيد. وقال قوم: لا اصطياد بجارح ما عدا الكلب لا باز ولا صقر ولا غير ذلك إلا ما أدركت ذكاته، وهو قول مجاهد، واستثنى بعضهم من الطيور الجارحة البازي فقط: يجوز صيده وحده. وسبب اختلافهم في هذا الباب: شيئان: أحدهما: قياس سائر الجوارح على الكلاب، وذلك أنه قد يظن أن النص إنما ورد في الكلاب، أعني قوله تعالى: * (وما علمتم من الجوارح مكلبين) * إلا أن يتأول أن لفظة مكلبين مشتقة من كلب الجارح لا من لفظ الكلب، ويدل على هذا عموم اسم الجوارح الذي في الآية، فعلى هذا يكون سبب الاختلاف الاشتراك الذي فلفظة مكلبين. والسبب الثاني: هل من شرط الامساك الامساك على صاحبه أم لا؟ وإن كان من شرطه فهل يوجد في غير الكلب أو لا يوجد؟ فمن قال لا يقاس سائر الجوارح على الكلاب وأن لفظة مكلبين هي مشتقة من اسم الكلب لا من اسم غير الكلب أو أنه لا يوجد الامساك إلا في الكلب - أعني على صاحبه - وأن ذلك