وأما أهل الذمة، فإن الأكثر على ألا زكاة على جميعهم، إلا ما روت طائفة من تضعيف الزكاة على نصارى بني تغلب، أعني أن يؤخذ منهم مثلا ما يؤخذ من المسلمين في كل شئ، وممن قال بهذا القول: الشافعي وأبو حنيفة، وأحمد، والثوري وليس عن مالك في ذلك قول. وإنما صار هؤلاء لهذا لأنه أثبت أنه فعل عمر بن الخطاب بهم وكأنه رأوا أن مثل هذا، هو توقيف ولكن الأصول تعارضه. وأما العبيد، فإن الناس فيهم على ثلاثة مذاهب: فقوم قالوا: لا زكاة في أموالهم أصلا، وهو قول ابن عمر، وجابر من الصحابة، ومالك، وأحمد، وأبي عبيد من الفقهاء.
وقال آخرون: بل زكاة مال العبد على سيده، وبه قال الشافعي فيما حكاه ابن المنذر، والثوري، وأبو حنيفة، وأصحابه وأوجبت طائفة أخرى على العبد في ماله الزكاة، وهو مروي عن ابن عمر من الصحابة، وبه قال عطاء من التابعين وأبو ثور من الفقهاء، وأهل الظاهر وبعضهم. وجمهور من قال: لا زكاة في مال العبد هم على ألا زكاة في مال المكاتب حتى يعتق وقال أبو ثور: في مال المكاتب زكاة. وسبب اختلافهم في زكاة مال العبد: اختلافهم في هل يملك العبد ملكا تاما، أو غير تام؟ فمن رأى أنه لا يملك ملكا تاما، وأن السيد هو المالك، إذا كان لا يخلو مال من مالك، قال: الزكاة على السيد، ومن رأى أنه لواحد منهما يملكه ملكا تاما، لا السيد، إذا كانت يد العبد، هي التي عليه لا يد السيد، ولا العبد أيضا، لان للسيد انتزاعه منه، قال: لا زكاة في ماله أصلا.
ومن رأى أن اليد على المال توجب الزكاة فيه لمكان تصرفها فيه تشبيها بتصرف يد الحر، قال:
الزكاة عليه، لا سيما من كان عنده أن الخطاب العام يتناول الأحرار والعبيد، وأن الزكاة عبادة تتعلق بالمكلف لتصرف اليد في المال. وأما المالكون الذين عليهم الديون التي تستغرق أموالهم أو تستغرق ما تجب فيه الزكاة من أموالهم، وبأيديهم أموال تجب فيها الزكاة، فإنهم اختلفوا في ذلك فقال قوم: لا زكاة في مال، حبا كان، أو غيره حتى تخرج منه الديون. فإن بقي ما تجب فيه الزكاة، زكي، وإلا فلا، وبه قال الثوري، وأبو ثور، وابن المبارك وجماعة، وقال أبو حنيفة، وأصحابه: الدين لا يمنع زكاة الحبوب، ويمنع ما سواها، وقال مالك: الدين يمنع زكاة الناض فقط، ألا أن يكون له عروض فيها وفاء من دينه، فإنه لا يمنع وقال قوم: بمقابل القول الأول وهو أن الدين لا يمنع زكاة أصلا. والسبب في اختلافهم: اختلافهم هل الزكاة عبادة؟
أو حق مرتب في المال للمساكين؟ فمن رأى أنها حق لهم قال: لا زكاة في مال من عليه الدين لان حق صاحب الدين متقدم بالزمان على حق المساكين، وهو في الحقيقة مال صاحب الدين لا الذي المال بيده. ومن قال هي عبادة قال: تجب على من بيده مال لان ذلك هو شرط التكليف، وعلامته المقتضية الوجوب على المكلف سواء كان عليه دين، أو لم يكن، وأيضا، فإنه قد تعارض هنالك حقان: حق لله، وحق للآدمي، وحق الله أحق أن يقضى، والأشبه بغرض الشرع اسقاط الزكاة عن المديان لقوله عليه الصلاة والسلام: فيها صدقة تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم والمدين ليس بغني. وأما من فرق بين الحبوب، وغير