أن يصلي الامام على من قتل حدا. واختلفوا فيمن قتل نفسه، فرأى قوم أنه لا يصلى عليه وأجاز آخرون الصلاة عليه ومن العلماء من لم يجز الصلاة على أهل الكبائر، ولا على أهل البغي والبدع. والسبب في اختلافهم في الصلاة: أما في أهل البدع، فلاختلافهم في تكفيرهم ببدعهم فمن كفرهم بالتأويل البعيد، لم يجز الصلاة عليهم، ومن لم يكفرهم، إذ كان الكفر عنده إنما هو تكذيب الرسول، لا تأويل أقواله عليه الصلاة والسلام، قال:
الصلاة عليهم جائزة، وإنما أجمع العلماء على ترك الصلاة على المنافقين مع تلفظهم بالشهادة لقوله تعالى: * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) * الآية.
وأما اختلافهم في أهل الكبائر، فليس يمكن أن يكون له سبب إلا من جهة اختلافهم في القول بالتكفير بالذنوب، لكن ليس هذا مذهب أهل السنة فلذلك ليس ينبغي أن يمنع الفقهاء الصلاة على أهل الكبائر. وأما كراهية مالك الصلاة على أهل البدع، فذلك لمكان الزجر، والعقوبة لهم وإنما لم ير مالك صلاة الامام على من قتله حدا: لان رسول الله (ص) لم يصل على ماعز ولم ينه عن الصلاة عليه خرجه أبو داود. وإنما اختلفوا في الصلاة على من قتل نفسه، لحديث جابر بن سمرة: أن رسول الله (ص) أبى أن يصلي على رجل قتل نفسه فمن صحح هذا الأثر قال: لا يصلى على قاتل نفسه، ومن لم يصححه، رأى أن حكمه حكم المسلمين، وإن كان من أهل النار كما ورد به الأثر، لكن ليس هو من المخلدين، لكونه من أهل الايمان، وقد قال عليه الصلاة والسلام حكاية عن ربه: أخرجوا من النار من في قلبه مثقال حبة من الايمان واختلفوا أيضا في الصلاة على الشهداء المقتولين في المعركة، فقال مالك والشافعي لا يصلى على الشهيد المقتول في المعركة، ولا يغسل وقال أبو حنيفة: يصلى عليه، ولا يغسل. وسبب اختلافهم: اختلاف الآثار الواردة في ذلك، وذلك أنه خرج أبو داود من طريق جابر: أنه صلى الله عليه وسلم أمر بشهداء أحد، فدفنوا بثيابهم، ولم يصل عليهم، ولم يغسلوا وروى من طريق ابن عباس مسندا: أنه عليه الصلاة والسلام صلى على قتلى أحد، وعلى حمزة، ولم يغسل ولم يتيمم وروى ذلك أيضا مرسلا من حديث أبي مالك الغفاري، وكذلك روي أيضا أن أعرابيا جاءه سهم، فوقع في حلقه، فمات، فصلى عليه النبي (ص)، وقال: إن هذا عبدك خرج مجاهدا في سبيلك، فقتل شهيدا وأنا شهيد عليه. وكلا الفريقين يرجع الأحاديث التي أخذ بها وكانت الشافعية تعتل بحديث ابن عباس هذا، وتقول: يرويه ابن أبي الزناد، وكان قد اختل آخر عمره، وقد كان شعبة يطعن فيه. وأما المراسيل، فليست عندهم بحجة. واختلفوا متى يصلى على الطفل، فقال مالك: لا يصلى على الطفل حتى يستهل صارخا. وبه قال الشافعي وقال