فوق الثياب، وقال قوم: ييمم كل واحد منهما صاحبه وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، وجمهور العلماء. وقال قوم: لا يغسل واحد منهما صاحبه، ولا ييممه، وبه قال الليث بن سعد، بل يدفن من غير غسل. وسبب اختلافهم: هو الترجيح بين تغليب النهي على الامر، أو الامر على النهي، وذلك أن الغسل مأمور به، ونظر الرجل إلى بدن المرأة، والمرأة إلى بدن الرجل منهي عنه فمن غلب النهي تغليبا مطلقا، أعني لم يقس الميت على الحي في كون الطهارة التراب له بدلا من طهارة الماء عند تعذرها، قال: لا يغسل كل واحد منهما صاحبه، ولا ييممه. ومن غلب الامر على النهي قال: يغسل كل واحد منهما صاحبه:
أعني غلب الامر على النهي تغليبا مطلقا، ومن ذهب إلى التيمم، فلانه رأى أنه لا يلحق الامر، والنهي في ذلك تعارض، وذلك أن النظر إلى مواضع التيمم يجوز لكلا الصنفين، ولذلك رأى مالك أن ييمم الرجل المرأة في يديها ووجهها فقط، لكون ذلك منها ليسا بعورة، وأن تيمم المرأة الرجل إلى المرفقين، لأنه ليس من الرجل عورة إلا من السرة إلى المسألة فمرة قال: ييمم كل واحد منهما صاحبه قولا مطلقا، ومرة فرق في ذلك بين ذوي المحارم وغيرهم، ومرة فرق في ذوي المحارم بين الرجال والنساء، فيتحصل عن أن له في ذوي المحارم ثلاثة أقوال: أشهرها أنه يغسل كل واحد منهما صاحبه على الثياب، والثاني أنه لا يغسل أحدهما صاحبه، ولكن ييممه مثل قول الجمهور في غير ذوي المحارم.
والثالث الفرق بين الرجال والنساء: أعني تغسل المرأة الرجل، ولا يغسل الرجل المرأة.
فسبب المنع أن كل واحد منهما لا يحل له أن ينظر إلى موضع الغسل من صاحبه كالأجانب سواء، وسبب الإباحة أنه موضع ضرورة، وهم أعذر في ذلك من الأجنبي.
وسبب الفرق أن نظر الرجال إلى النساء أغلظ من نظر النساء إلى الرجال بدليل أن النساء حجبن عن نظر الرجال إليهن، ولم يحجب الرجال عن النساء. وأجمعوا من هذا الباب على جواز غسل المرأة زوجها، واختلفوا في جواز غسله إياها، فالجمهور على جواز ذلك وقال أبو حنيفة: لا يجوز غسل الرجل زوجته. وسبب اختلافهم: هو تشبيه الموت بالطلاق، فمن شبهه بالطلاق قال: لا يحل أن ينظر إليها بعد الموت، ومن لم يشبهه بالطلاق، وهم الجمهور قال: إن ما يحل له من النظر إليها قبل الموت. يحل له بعد الموت.
وإنما دعا أبا حنيفة أن يشبه الموت بالطلاق، لأنه رأى أنه إذا ماتت إحدى الأختين، حل له نكاح الأخرى كالحال فيها إذ طلقت. وهذا فيه بعد، فإن علة منع الجمع مرتفعة بين الحي والميت، لذلك حلت، إلا أن يقال إن علة منع الجمع غير معقولة، وأن منع الجمع