قال أبو محمد رحمه الله: ومن أسر من أهل البغي فان الناس قد اختلفوا فيه أيقتل أم لا؟ فقال بعض أصحاب أبي حنيفة: ما دام القتال قائما فإنه يقتل أسراهم فإذا انجلت الحرب فلا يقتل منهم أسير. قال أبو محمد رحمه الله: واحتج هؤلاء بان عليا رضي الله عنه قتل ابن يثربي وقد أتى به أسيرا وقال الشافعي: لا يحل أن يقتل منهم أسير أصلا ما دامت الحرب قائمة ولا بعد تمام الحرب وبهذا نقول. برهان ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم قد صح عنه أنه قال: " لا يحل دم امرئ مسلم الا بإحدى ثلاث كفر بعد ايمان أو زنا بعد احصان أو نفس بنفس وأباح الله تعالى دم المحارب وأباح رسول الله صلى الله عليه وسلم دم من حد في الخمر ثم شربها في الرابعة فكل من ورد نص بإباحة دمه مباح الدم وكل من لم يبح الله تعالى دمه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم حرام الدم بقول الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " وأما احتجاجهم بفعل علي رضي الله عنه فلا حجة لهم فيه لوجوه، أحدها أنه لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني أنه لا يصح مسندا إلى علي رضي الله عنه، والثالث أنه لو صح لكان حجة عليهم لا لهم لان ذلك الخبر إنما هو في ابن يثربي ارتجز يوم ذلك فقال: أنا لمن ينكرني ابن يثربي * قاتل عليا وهند الجمل ثم ابن صوحان على دين علي، فأسر فأتى به علي بن أبي طالب فقال له: استبقني فقال له علي: أبعد اقرارك بقتل ثلاثة من المسلمين عليا وهندا وابن صوحان وأمر بضرب عنقه فإنما قتله علي قودا بنص كلامه وهم لا يرون القود في مثل هذا فعاد احتجاجهم به حجة عليهم ولاح أنهم مخالفون لقول علي في ذلك ولفعله، والرابع انه قد صح عن علي النهي عن قتل الاسراء في الجمل وصفين على ما نذكر إن شاء الله تعالى فبطل تعلقهم بفعل علي في ذلك، وما نعلمهم شغبوا بشئ غير هذا، فان قالوا: قد كان قتله بلا خلاف مباحا قبل الأسئار فهو على ذلك بعد الأسئار حتى يمنع منه نص أو اجماع قلنا لهم: هذا باطل وماحل قتله قط قبل الأسئار مطلقا لكن حل قتله ما دام باغيا مدافعا فإذا لم يكن باغيا مدافعا حرم قتله وهو إذا أسر فليس حينئذ باغيا ولا مدافعا فدمه حرام، وكذلك لو ترك القتال وقعد مكانه ولم يدافع لحرم دمه وان لم يوسر وبالله تعالى التوفيق، وإنما قال الله تعالى: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) ولم يقل قاتلوا التي تبقي والقتال والمقاتلة فعل من فاعلين فإنما حل قتال الباغي ومقاتلته ولم يحل قتله قط في غير المقاتلة والقتال فهذا نص القرآن وبالله تعالى التوفيق، فان قالوا
(١٠٠)