أروش الجراحات عليهم أيضا، وهذا تناقض لا خفاء به * فان قالوا: فأنتم لا ترون الدية عليهم ولا عنهم فما جنوه ثم ترونها عليهم فيما جناه غيرهم قلنا: نعم لأننا لا نقول بالمقاييس في الدين، ولا أن الشريعة موضوعة على ما توجبه الآراء بل نكفر بهذا القول ونبرأ إلى الله تعالى منه، وقد وجدنا القاتل يقتل عددا من المسلمين ظلما فيعفو عنه أولياؤهم فيحرم دمه ويمضي سالما لا شئ عليه، ثم يسرق دينارا أو يزني بأمة سوداء فيعفو عنه رب الدينار وسيد السوداء فلا يسقط عنه القطع ولا القتل بالحجارة إن كان محصنا و أين هذا والدينار من قتل النفس المحرمة؟ ووجدناكم تقولون: ان زكاة الفطر على المرأة ولا تؤديها عن نفسها بل يؤديها عنها غيرها - وهو زوجها - ويقول الحنيفيون: الأضحية فرض على المرأة فلا تؤديها هي لكن يؤديها عنها زوجها، فإذا قلتم هذا حيث لم يوجبه الله سبحانه وتعالى ولا رسوله عليه السلام وأنتم أهل آراء وقياس في الدين فنحن أولى بان نقول ما أوجبه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين * فان قيل فان احتجاجكم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رفع القلم عن ثلاثة - فذكر - الصبي حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق " قلنا نحن ولله الحمد قائلون به ومسقطون عن الصبي والمجنون كل حكم ورد بخطاب أهل ذلك الحكم لأنهما غير مخاطبين بيقين لا شك فيه فهما خارجان عمن خوطب بذلك الحكم ونحن نلزمهما كل غرامة في مال جاء الحكم في ذلك المال بغير خطاب لأهله والحكم ها هنا جاء بان النبي صلى الله عليه وسلم حكم بان الدية والغرة على عصبة القاتلة ولم يخاطب العصبة ولا التفت عليه السلام إلى اعتراض من اعترض منهم بل انفذ الحكم عليهم فنحن ننفذ الحكم بايجاب الدية في مال العصبة ولا نبالي صبيانا كانوا أو مجانين أو غيبا أو حاضرين ولم نوجب ذلك فيما جناه صبي أو مجنون لان الدية إنما وجبت بنص القرآن فيما قتله مخاطب بالكفارة وليس هذا من صفات الصبيان والمجانين، والحمد لله رب العالمين * قال أبو محمد رحمه الله: ثم نظرنا في مقدار ما يؤخذ من كل انسان من العصبة فوجدنا قوما قالوا: لا يؤخذ من كل واحد إلا أربعة دراهم أو ثلاثة، وقوما قالوا:
يؤخذ من الغني نصف دينار ومن المقل ربع دينار فكانت هذه حدودا لم يأت بها حكم من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم فوجب أن لا يلتفت ووجب أن ننظر ما الواجب في ذلك فوجدنا الله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، وقال تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وقال تعالى:
(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية وبالغرة