يأمر الله تعالى قط باتباع ما أجمع عليه بعض أولي الأمر منا وإذا وقعت تلك الفتنة فبلا شك ان الماضين بالموت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أكثر من الباقين ولقد كان أصحاب بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا وعدوا إذ مات عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فما وجد منهم في الحياة الا نحو مائة واحدة فقط فبطل التعلق بما رواه الزهري لو صح فكيف وهو لا يصح أصلا. ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قال أخبرني غير واحد من عبد القيس عن حميد بن هلال عن أبيه قال: لقد اتيت الخوارج وانهم لأحب قوم على وجه الأرض إلي فلم أزل فيهم حتى اختلفوا فقيل لعلي بن أبي طالب قاتلهم فقال لا حتى يقتلوا فمر بهم رجل استنكروا هيئته فثاروا إليه فإذا هو عبد الله ابن خباب فقالوا: حدثنا ما سمعت أباك يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: سمعته يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي والساعي في النار " قال: فأخذوه وأم ولده فذبحوهما جميعا على شط النهر فلقد رأيت دماهما في النهر كأنهما شراكان فأخبر بذلك علي بن أبي طالب فقال: أقيدوني من ابن خباب قالوا: كلنا قتلناه فحينئذ استحل قتالهم فقتلهم * قال أبو محمد رحمه الله: فهذا أثر أصح من اثر الزهري أو مثله بان علي بن أبي طالب رأى القود على الخوارج فيمن قتلوه بتأويل القرآن بخلاف ما ذكر الزهري من اجماعهم فصح الخلاف في ذلك من الصحابة رضي الله عنهم وبلا شك ندري أن القائلين من الصحابة رضي الله عنهم لأبي بكر الصديق أن لا يقاتل أهل الردة أكثر عددا وأتم فضلا من الذين ذكر الزهري عنه انه اجماع لا يصح على أن لا يؤخذ أحد بدم أصابه على تأويل القرآن لا بقود ولا بدية وان لا يضمن أحد ما لا اصابه على تأويل القرآن ولم يكن قولهم ذلك حجة يسوغ الاخذ بمثل ما قالوا: وإنما رجع الامر فيما ذكر الزهري اجماعا إلى حكم الوالي ولم يكن الا عليا والأشهر عنها إيجاب القود كما ذكرنا أو معاوية وإنما كان الحق في ذلك بيد علي لا بيده وإنما كان معاوية مجتهدا مخطئا مأجورا فقط وبالله تعالى التوفيق * وأما احتجاج ابن المسيب بان كل طائفة ترى الأخرى باغية فليس بشئ لان الله تعالى لم يكلنا إلى رأي الطائفتين لكن أمر من صح عنه بغى إحداهما بقتال الباغية ولو كان ما قاله سعيد رحمه الله لما كانت إحداهما أولى بالمقاتلة من الأخرى ولبطلت الآية وهذا لا يجوز *
(١٠٦)