قال أبو محمد رحمه الله: والقول عندنا ان البغاة كما قدمنا في صدر كلامنا ثلاثة أصناف، صنف تأولوا تأويلا يخفى وجهه على كثير من أهل العلم كمن تعلق بآية خصتها أخرى أو بحديث قد خصه آخر أو نسخها نص آخر فهؤلاء كما قلنا معذورون حكمهم حكم الحاكم المجتهد يخطئ فيقتل مجتهدا أو يتلف مالا مجتهدا أو يقضي في فروج خطأ مجتهدا ولم تقم عليه الحجة في ذلك ففي الدم دية على بيت المال لا على الباغي ولا على عاقلته ويضمن المال كل من أتلفه ونسخ كل ما حكموا به ولا حد عليه في وطئ فرج جهل تحريمه ما لم يعلم بالتحريم، وهكذا أيضا من تأول تأويلا خرق به الاجماع بجهالة ولم تقم عليه الحجة ولا بلغته، وأما من تأول تأويلا فاسدا لا يعذر فيه لكن خرق الاجماع اي شئ كان ولم يتعلق بقرآن ولا سنة ولا قامت عليه الحجة وفهمها وتأول تأويلا يسوغ وقامت عليه الحجة وعند فعلى من قتل هكذا القود في النفس فما دونها والحد فيما أصاب بوطئ حرام وضمان ما استهلك من مال، وهكذا من قام في طلب دنيا مجردا بلا تأويل ولا يعذر هذا أصلا لأنه عامد لما يدري انه حرام وبالله تعالى التوفيق، وهكذا من قام عصبية ولا فرق، وقد تكون الفئتان باغيتين إذا قامتا معا في باطل فإذا كان هكذا فالقود أيضا على القاتل من اي الطائفتين كان، وهكذا القول في المحاربين يقتل بعضهم بعضا * قال أبو محمد رحمه الله: ونذكر البرهان في كل هذا فصلا فصلا، أما قولنا من لم تقم عليه الحجة فلا قود عليه ولا حد فلقول الله تعالى (لأنذركم به) ومن بلغ فلا حجة الا على من بلغته الحجة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وجعفر بن أبي طالب ومن معه من أفاضل الصحابة رضي الله عنهم بأرض الحبشة بينهم المهامه الفيح والبلاد البعيدة ولجة البحر والفرائض تنزل بالمدينة ولا تبلغهم الا بعد عام أو أعوام كثيرة وما لزمتهم ملامة عند الله تعالى ولا عند رسوله صلى الله عليه وسلم ولا عند أحد من الأمة فصح يقينا ان من جهل حكم شئ من الشريعة فهو غير مؤاخذ به الا في ضمان ما أتلف من مال فقط لأنه استهلكه بغير حق فعليه متى علم أن يرده إلى صاحبه ان أمكن وان لا يصر على ما فعل وهو يعلم، واما وجوب الدية في ذلك على بيت المال خاصة فلما ذكرناه في كتاب الدماء والقصاص لما رويناه من طريق أبي داود ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا ابن أبي ذئب ني سعيد هو ابن أبي سعيد المقبري قال سمعت أبا شريح الكعبي يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انكم معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل واني عاقله فمن قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فأهله بين خيرتين بين ان يأخذوا العقل وبين ان
(١٠٧)