وإن كان ممن لم يفوض إليه عموم النظر احتاج إلى تقليد وتولية إذا اجتمعت فيه الشروط المتقدمة...
فقد نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المظالم في الشرب الذي تنازعه الزبير بن العوام ورجل من الأنصار، فحضره بنفسه فقال للزبير: " اسق أنت يا زبير ثم الأنصاري. " فقال الأنصاري:
إنه لابن عمتك يا رسول الله. فغضب من قوله وقال: " يا زبير أجره على بطنه حتى يبلغ الماء إلى الكعبين. " وإنما قال: أجره على بطنه أدبا له لجرأته عليه. واختلف لم أمره بإجراه الماء إلى الكعبين هل كان حقا بينه لهما حكما أ وكان مباحا فأمر به زجرا؟ على جوابين. و لم ينتدب للمظالم من الخلفاء الأربعة أحد، لأنهم في الصدر الأول مع ظهور الدين عليهم بين من يقوده التناصف إلى الحق أو يزجره الوعظ عن الظلم، وانما كانت المنازعات تجري بينهم في أمور مشتبهة يوضحها حكم القضاء...
ثم زاد من جور الولاة وظلم العتاة ما لم يكفهم عنه إلا أقوى الأيدي وأنفذ الأوامر.
فكان عمر بن عبد العزيز أول من ندب نفسه للنظر في المظالم، فردها وراعى السنن العادلة وأعادها. ورد مظالم بني أمية على أهلها حتى قيل له - وقد شدد عليهم فيها و أغلظ - إنا نخاف عليك من ردها العواقب، فقال: كل يوم أتقيه وأخافه دون يوم القيامة لا وقيته!
ثم جلس لها من خلفاء بني العباس جماعة فكان أول من جلس لها المهدي، ثم الهادي، ثم الرشيد، ثم المأمون، فآخر من جلس لها المهتدي حتى عادت الأملاك إلى مستحقيها.
وقد كان ملوك الفرس يرون ذلك من قواعد الملك وقوانين العدل الذي لا يعم الصلاح إلا بمراعاته، ولا يتم التناصف إلا بمباشرته.
وكانت قريش في الجاهلية حين كثر فيهم الزعماء وانتشرت فيهم الرياسة وشاهدوا من التغالب والتجاذب ما لم يكفهم عنه سلطان قاهر عقدوا حلفا على رد المظالم و إنصاف المظلوم من الظالم...
واجتمعت بطون قريش فتحالفوا في دار عبد الله بن جدعان على رد المظالم بمكة و أن