الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة - صدر الدين محمد الشيرازي - ج ٧ - الصفحة ٧٠
ومنهم من ذهب إلى أنه إشارة إلى هذه الصور الهيولانية في هذا العالم باعتبار حضورها وظهورها عند المبدء الأول ومثولها بين يديه وعدم خفائها وغيبوبتها بذواتها عن علمه إذ هي بهذا الاعتبار كأنها مجرده من المواد والأزمنة والهيئات الحسية والغشاوات المادية لعدم كونها حجابا عن شهودها ووجودها لدى الباري فهي بذواتها معقوله له تعالى كسائر الكليات والمجردات متمثلة بين يديه.
أقول (1) والأظهر ان أولئك الأكابر من الحكماء والأعاظم من الأولياء المتجردين عن غشاوات الطبيعة الواصلين إلى غايات الخليقة حكموا بأن الصور المعقولة من الأشياء مجرده قائمه بذواتها وإياها يتلقى العقلاء والعرفاء في معقولاتهم ومعارفهم إذ لها وجود (2) لا محاله فهي اما قائمه بذواتها أو حاله في

(1) انما لم يتعرض في هذا الاجمال بعد التفصيل لتأويل الشيخ للمثل لغاية بعده عند المصنف قدس سره ولا لما ذكره بعض المتأخرين لأنه كما مر ان أراد الماهية المطلقة رجع إلى تأويل الشيخ فكان مثله في البعد وان أراد الكلى العقلي رجع إلى ما ذكره المصنف قدس سره هنا في المال س ره.
(2) وهذه حجه أخرى أقامها المصنف ره على وجود المثل العقلية غير الحجج الثلاث التي أقامها في أول الفصل نقلا عن صاحب الاشراق وخلاصتها ان الصور المعقولة الكلية التي يدركها الانسان موجوده بالضرورة ولا يخلو اما أن تكون قائمه بذاتها أو بغيرها وعلى الثاني اما ان تقوم بجزء مادي منا أو بنفوسنا أو بجوهر مجرد خارج من ذواتنا وجميع الشقوق باطله الا الأول منها فهي قائمه بذواتها وحيث كانت موجوده في ذواتها فهي متشخصة خارجا وإذ تصدق عليها حدود الأنواع المادية فكل واحد منها فرد مجرد من نوع تصدق عليه ماهيته هذا.
وفيه ان هناك شقا آخر غير الشقوق الأربعة المذكورة وهو أن تكون هذه الصور الكلية موجودا مجردا واحدا قائما بذاته ويكون الاختلاف والكثرة ناشئا من ناحية ادراكنا لا من ناحية المدرك وذلك بان ندرك جزئيات الأنواع المادية ويحصل لنا بسببه استعداد الاتصال بجوهر عقلي فيه جميع الكمالات الوجودية التي في عالم المادة فندركه بعلم حضوري لكن مع اختلاف ما في الادراك من جهة اختلاف الاستعدادات الحاصلة من ادراك الجزئيات المادية المختلفة نظير انتزاع المفاهيم المختلفة من ذات الواجب جل ذكره على وحدتها الحقه فذاته تعالى بحت الكمال ومحض الوجود غير انا نجد فيما عندنا صفه وجوديه كمالية نسميها علما مثلا ونرجع اليه تعالى فنجده عنده فننتزعه منه ثم نجد فيما عندنا الكمال الذي هو القدرة ونستعد بذلك استعدادا جديدا فنعود اليه تعالى فننتزع منه مفهوم القدرة وهكذا في الحياة والسمع والبصر وغير ذلك فيتحصل من ذلك اختلاف مفاهيم الصفات مع كون الذات المتعالية بحت الكمال الذي لا ميز فيه لصفه كمالية من أخرى وانما نشا الاختلاف من ناحية اختلاف ادراكنا لاختلاف الاستعدادات المكتسبة فليجز مثل ذلك في ادراكنا الصور النوعية المختلفة من الانسان والفرس والغنم وغير ذلك بالاتصال بالعالم العقلي المجرد ولا يوجب هذا الانتزاع كون المفهوم المنتزع ماهية للمنتزع منه حتى يلزم اجتماع ماهيات متبائنة في واحد حقيقي بل انما تنشأ الماهية من نسبه هذا المدرك الموجود في ظرف الادراك إلى الفرد المادي الخارجي ومشاهده انها خاليه عن آثار الافراد فتصير على هذه النسبة مفاهيم لا تترتب عليها آثار الخارج اي ماهية متساوية النسبة إلى الوجود والعدم ثم تحمل بعنوان الذاتية على الافراد المادية فتصير ماهيات نوعية أو جنسية جوهرية أو عرضية ط مد.
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»
الفهرست