ان العالم مستقل بذاته مستغن في وجوده عن فيض باريه عليه بالحفظ والإدامة والامساك والابقاء فان هذا الاعتقاد مع بطلانه وفساده كما علمت يضر صاحبه في المعاد ويسئ ظنه بباريه دائما ويوجب ان يكون معرضا عن ربه ناسيا ذكره غافلا عن دعائه مشغولا بما سواه من اغراض دنياه ويمكن له فيها وملكه بها وأخلده إلى الأرض فهو لا يذكر ربه الا ناسيا ولا يسأله الا بطرا ورئاء أو مضطرا عند الشدائد والمصائب والضراء على كره منه وحيره وضلال كما نشاهد من أكثر الناس الذين قد وافقوا بطبائعهم هذا الرأي وان لم يصرحوا به فهم عن ربهم لمحجوبون طول عمرهم وببارئهم جاهلون لا يعرفونه حق معرفته فهم في عمى وضلال في هذه الدنيا وفي الآخرة أعمى وأضل سبيلا واما من اعتقد ما بإزاء هذا الاعتقاد للموحدين القائلين بان العالم محدث مخترع مطوى في قبضه بارئه يحتاج اليه في بقائه ويفتقر اليه في دوامه لا يستغنى عنه طرفه عين وامتداد الفيض عليه لحظه فلحظه آنا فانا بل فيضه امر واحد متصل لو منع العالم ذلك الفيض والحفظ والامساك طرفه عين لتهافت السماوات وبادت الأفلاك وتساقطت الكواكب وعدمت الأركان وهلكت الخلائق (1) ودثر العالم دفعه واحده بلا زمان كما ذكره في قوله ان الله يمسك السماوات والأرض ان تزولا ولئن زالتا ان أمسكهما من أحد من بعده (2) وقوله تعالى والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه فهذا من احدى الآراء الجيدة والاعتقادات الصحيحة المنجية للنفوس من عذاب الأبدان المحيية لها من موت الرغبة إلى الرأي يكون دائما متعلق القلب بربه معتصما بحبله متوكلا عليه في جميع أحواله مسندا ظهره اليه في جميع متصرفاته داعيا
(٢١٥)