والأنوار الإلهية ودلالة على معرفه جواهرها وشرف عنصرها ومحاسن عالمها وصلاح معادها وذلك لان جميع المحاسن والفضائل وكل الزينة والمشتهيات المرغوب فيها اللواتي ترى على ظواهر الاجرام وجلود الأبدان انما هي اصباغ ونقوش ورسوم صورتها أرباب أنواعها وملائكة تدابيرها في المواد والاسطقسات قد زينت بها كيما نظرت النفوس إليها حنت إليها وتشوقت نحوها وقصدت لطلبها بالنظر إليها والتأمل لها واستنبطت خالصها المجرد عن مغشوشها المحسوس وتعرفت لبها المصفى عن قشرها المكدر بانتزاعها الكليات من الجزئيات وتفطنها بالعقليات من الحسيات ورفضها الدنيا لأجل الآخرة كل ذلك كيما يتصور تلك الرسوم والمحاسن في ذاتها واتصلت بها وتمثلت لديها حتى إذا غابت تلك الاشخاص الجرمانية عن مشاهده الحواس بقيت تلك الصور المعشوقة المحبوبة مشاهده لها مصورة فيها لها صوره روحانية نقيه صافيه باقيه معها معشوقاتها متصله بها اتصالا معنويا لا يخاف فراقها ولا تغييرها فيستغنى حينئذ بالعيان عن الخبر والبيان ويزهد عن ملاقاة الألوان ويتخلص عن الرق والحدثان والدليل على صحه ما قلناه يعرفه من عشق يوما لشخص من الاشخاص ثم تسلى عنه أو فقده مده ثم إنه وجده من بعد ذلك وقد تغير هو عما كان عهده عليه من الحسن والجمال وتلك الزينة والمحاسن التي كان يراها على ظاهر جسمه وسطوح بدنه فإنه متى رجع عن ذلك فنظر إلى تلك الرسوم والصور التي هي باقيه في نفسه منذ العهد القديم (1) وجدها بحالها لم يتغير ولم يتبدل ورآها برمتها فشاهدها في ذاتها حينئذ ما كانت تراها من قبل لم تدثر ولم يفسد بل باقيه ببقاء علتها الجاعلة ودوام فاعلها القائم ورب صنمها الدائم وحينئذ يجد من نفسها وفي جوهرها ما كانت تطلب قبل ذلك خارجا عنها فعند ذلك
(٧٩)