وهذه الثلاثة الأخيرة مشتركه في كون كل منها فاعلا بالاختيار وإن كان (1) الأول منها مضطرا في اختياره لان اختياره حادث فيه بعد ما لم يكن ولكل حادث محدث فيكون اختياره عن سبب مقتض وعلة موجبه فاما ان يكون ذلك السبب هو أو غيره فإن كان غيره فثبت المدعى وإن كان هو نفسه فاما ان يكون سببيتها لاختياره باختياره أو لا فعلى الأول يعود الكلام وينجر إلى القول بالتسلسل في الاختيارات إلى غير النهاية وعلى الثاني يكون وجود الاختيار فيه لا بالاختيار فيكون مضطرا ومحمولا على ذلك الاختيار من غيره فينتهي إلى الأسباب الخارجة عنه وينتهي بالآخرة إلى الاختيار الأزلي الذي أوجب الكل على ما هو عليه بمحض الاختيار من غير داع زائد ولا قصد مستأنف وغرض عارض.
فإذا علمت اقسام الفاعل فاعلم أنه ذهب جمع من الطباعية والدهرية خذلهم الله تعالى إلى أن مبدء الكل فاعل بالطبع وجمهور الكلاميين إلى أنه فاعل بالقصد والشيخ الرئيس وفاقا لجمهور المشائين إلى أن فاعليته للأشياء الخارجية بالعناية وللصور العلمية الحاصلة في ذاته على رأيهم بالرضا وصاحب الاشراق تبعا لحكماء الفرس والرواقيين إلى أنه فاعل للكل بالمعنى الأخير وسنحقق لك في مستأنف الكلام من الأصول الأنية إن شاء الله تعالى ان فاعل الكل لا يجوز اتصافه بالفاعلية بأحد من الوجوه الثلاثة الأول وان ذاته ارفع من أن يكون فاعلا بالمعنى الرابع لاستلزامه مع قطع النظر عن الاضطرار التكثر بل التجسم تعالى عن ذلك علوا كبيرا فهو اما فاعل بالعناية أو بالرضا وعلى اي الوجهين فهو فاعل بالاختيار بمعنى ان شاء فعل وان لم يشاء لم يفعل لا بالايجاب كما توهمه الجماهير من الناس فان صحه الشرطية غير متعلقه بصدق