رائحة. واستخراج هذه العصارة يكون بأن تؤخذ الثمرة وتدق ويستخرج ماؤها بالدهق (1) ويجفف في الظل، وقال قوم: في الشمس.
وإذا سحقت هذه العصارة وغسلت بالماء العذب مرات، أفادها ذلك برودة، وضعف قبضها وقل لذعها، وصلحت في أدوية العين. وإذا أخذت وهي جافة يابسة من غير أن تغسل وصيرت في قدر من طين وجعلت في الأتون حتى تحترق، فعلت مثل ذلك أيضا. ولجالينوس في هذه العصارة قول قال فيه:
وإني لأحدس في هذه العصارة أن أجزاءها غير متساوية لان جوهرها جوهر بارد أرضي يخالطه شئ من الجوهر المائي مع أجزاء لطيفة مائلة إلى الحرارة. فإذ غسلت، فارقتها هذه الاجزاء اللطيفة الحارة لأنها تقذف في الماء الذي غسلت به. ولذلك صارت إذا غسلت، صار تبريدها في الدرجة الثانية، وتجفيفها في أول الثانية. وإذا لم تغسل، كان تبريدها في الدرجة الأولى، وتجفيفها في آخر الدرجة الثالثة. ومما يدل على ذلك أن إنسانا لو أخذ منها شيئا ومسحه على عضو صحيح، لوجدها تجففه وتمدده على المكان من غير أن تحدث فيه من البرد إلا مقدارا ليس بالكثير.
فقد بان مما قدمنا إيضاحه أن هذه الشجرة قابضة جدا وثمرتها الغض منه وأغصانها أيضا كذلك.
ومن قبل ذلك صارت عصارتها نافعة (2) من سيلان الرطوبات المزمنة إلى الأرحام ومن النتوء العارض فيها وفى المقعدة. وإذا شربت أو احتقن بها، عقلت البطن. وأما ورق هذه الشجرة، فإنه ما دام أخضر طريا، فإن ماءه ملين للبطن، لان فيه حلاوة ورطوبة. وأما يابسا (3) فحابس للبطن لعدمه الرطوبة المكتسبة من الماء. ولذلك يصار الطري منه إذا دق واستخرج ماؤه وشرب منه مقدار نصف رطل بشئ من سكر، لين البطن وأحدر ما في المعدة من الرطوبات المرية ونفع من الجرب العارض من الرطوبات المتعفنة وبخاصة إذا أدمن أخذه أسبوعا. وأما الصمغ المستخرج من هذه الشجرة فهو المعروف بالصمغ العربي. والمختار منه ما كان شكله دوديا ولونه أبيض وأحمر صافيا صقيلا براقا ومستشفا يكاد البصر أن ينفذه لصفائه ومشاكلته لصفاء الزاج (4) المذاب. وبعده ما كان أبيض أو أحمر صافيا نقيا، وإن لم ينفذه البصر. وأذم أنواعه ما كان شبيها بالراتينج، أعني صمغ الصنوبر. وقوة هذا الصمغ قابضة مقوية مغرية ملينة لخشونة الصدر والرئة، قامعة لحدة الأدوية إذا خلط معها.
ورأيت صمغا يجلب من بلد الحجاز من شجرة تعرف هناك بأم غيلان يزعمون أنه الصمغ العربي على الحقيقة. وهو صمغ مكتنز مدور مكسره أحمر براق يكاد البصر أن ينفذه لصفائه ونقائه، إلا أن غروته (2) أكثر من قبضه. ولذلك صار أكثر موافقة في تليين خشونة الصدر والرئة وخشونة العين من الصمغ