تشيم بروق الموت في صفحاته * وفي حده مصداق تلك المخايل وقد أكثر الشعراء في ذكر الأوطان ومحبتها والشوق إليها فجاء ابن الرومي مع قرب عهده فذكر الوطن وبين عن العلة التي لها يحب وزاد عليهم أجمعين وجمع ما فرقوه في أبيات من قصيدة يخاطب بها سليمان بن عبد الله بن طاهر وقد أريد على بيع منزله فقال:
ولي وطن آليت ان لا أبيعه * وان لا ارى غيري له الدهر مالكا عهدت به شرخ الشباب ونعمة * كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا وقد ألفته النفس حتى كأنه * لها جسدان غاب غودر هالكا وحبب أوطان الرجال إليهم * مارب قضاها الشباب هنالكا إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم * عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا وله في معناه:
بلد صحبت به الشبيبة والصبا * ولبست ثوب العيش وهو جديد فإذا تمثل في الضمير رأيته * وعليه أغصان الشباب تميد وله وسمعه البحتري فاستجاده:
يقتر عيسى على نفسه * وليس بباق ولا خالد ولو كان يسطيع من بخله * تنفس من منخر واحد وله من قصيدته الطويلة:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها * يكون بكاء الطفل ساعة يولد والا فما يبكيه منها وانها * لافسح مما كان فيه وارغد وله في إبراهيم بن المدبر وكان رد عليه قصيدة مدحه بها:
رددت علي مدحي بعد مطل * وقد دنست ملبسه الجديدا وقلت امدح به من شئت غيري * ومن ذا يقبل المدح الرديدا ولا سيما وقد عبقت فيه * مخازيك اللواتي لن تبيدا وهل للحي في أثواب ميت * لبوس بعد ما امتلأت صديدا وأورد له في شرح رسالة ابن زيدون في الشماتة وقد بالغ فيها:
لا زال يومك عبرة لغدك * وبكت لشجو عين ذي حسدك فلئن بكيت فطالما بكيت * بك همة لجات إلى سندك أو تسجد الأيام ما سجدت * الا ليوم فت في عضدك يا نعمة ولت غضارتها * ما كان أقبح حسنها بيدك فلقد بدت بردا على كبدي * لما غدت حرا على كبدك ورأيت نعمى الله زائدة * لما استبان النقص في عددك لم يبقى لي مما برى جسدي * الا بقايا الروح في جسدك ومن شعره الذي يدل على قوله بالعدل وعدم الجبر قوله في ذكر مساوي الحقد من قصيدة:
يا ضارب المثل المزخرف مطريا * للحقد لم تقدح بزند واري شبهت نفسك والألى يولونها * آلاءهم بالأرض والعمار وزعمت فيك طبيعة أرضية * يا سابق التقرير بالاقرار فينا وفيك طبيعة أرضية * تهوي بنا ابدا لشر قرار هبطت بآدم قبلنا وبزوجه * من جنة الفردوس أفضل دار فتعوضا الدنيا الدنية كاسمها * من تلكم الجنات والأنهار بئست لعمر الله تلك طبيعة * حرمت أبانا قرب أكرم جار واستأسرت ضعفي بنيه بعده * فهم لها اسرى بغير اسار لكنها ماسورة مقسورة * مقهورة السلطان في الأحرار فجسومهم من اجلها تهوي بهم * ونفوسهم تسمو سمو النار عرفوا لروح الله فيهم فضل ما * قد اثرت من صالح الآثار فتنزهوا وتعظموا وتكرموا * عن لؤم طبع الطين والأحجار لا ترض بالمثل الذي مثلته * مثلا ففيه مقالة للزاري الأرض في أفعالها مضطرة * والحي فيه تصرف المختار فمتى جريت على طباعك مثلها * فكان طرفك بعد من فخار أخرجت من باب المشيئة مثلما * خرجت فأنت على الطبيعة جاري انى تكون كذا وأنت مخير * متصرف في النقض والامرار أين انصراف الحي في انحائه * وحويله فيما سوى المقدار أين اختيار مخير حسناته * ان كنت لست تقول بالاجبار شهد اتفاق الناس طرا في الهوى * وتفاوت الأبرار والفجار ان الجميع على طباع واحد * وبما يرون تفاضل الأطوار قاد الهوى الفجار فانقادوا له * وأبت عليه مقادة الأبرار لولا صنوف الاختيار لأعنقوا * لهوى كما اتسقت جمال قطار ورأيتهم مثل النجوم فإنها * متتابعات كلها لمدار متيممات سمت وجه واحد * ولها مطامع حجة ومجاري وله في أمير المؤمنين علي ع من قصيدة:
يا هند لم اعشق ومثلي لا يرى * عشق النساء ديانة وتحرجا لكن حبي للوصي مخيم * في الصدر يسرح في الفؤاد تولجا فهو السراج المستنير ومن به * سبب النجاة من العذاب لمن نجا وإذا تركت له المحبة لم أجد * يوم القيامة من ذنوبي مخرجا قل لي أ أترك مستقيم طريقه * جهلا واتبع الطريق الأعوجا وأراه كالتبر المصفى جوهرا * وأرى سواه لناقديه مبهرجا ومحله من كل فضل بين * عال محل الشمس أو بدر الدجى قال النبي له مقالا لم يكن * يوم الغدير لسامعيه ممجمجا من كنت مولاه فذا مولى له * مثلي فأصبح بالفخار متوجا وكذاك إذ منع البتول جماعة * خطبوا وأكرمه بها إذ زوجا وقال في أمير المؤمنين علي ع:
تراب أبي تراب كحل عيني * إما رمدت جلوت به قذاها تلذ لي الملامة في هواه * لذكراه وأستحلي أذاها قال من قصيدة يرثي بها يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب ع حين ثار على الظلم وفساد الحكم أيام العباسيين:
امامك فانظر اي نهجيك تنهج * طريقان شتى مستقيم وأعوج الا ايهذا الناس طال ضريركم * بال رسول الله فاخشوا أو ارتجوا أ كل أوان للنبي محمد * قتيل زكي بالدماء مضرج تبيعون فيه الدين شر أئمة * فلله دين الله، قد كان يمرج (1) بني المصطفى كم يأكل الناس شلوكم * لبلواكم عما قليل مفرج أ ما فيهم راع لحق نبيه * ولا خائف من ربه يتحرج