وقال ابن خالويه في شرح ديوان أبي فراس: قد ذكرت من الاخبار التي ذكرها أبو فراس في شعره ما حدثني به الثقات ممن شاهد تلك الأحوال وان كانت مآثر أبي العباس حمدان ومن تبعه من بنيه لا تحتاج إلى دليل اه.
ومن اخباره ما ذكر ابن الأثير في حوادث سنة 254 ان مساور بن عبد الحميد الخارجي كان قد استولى على أكثر اعمال الموصل وقوي امره فجمع له الحسن بن أيوب المعدوي التغلبي وكان خليفة أبيه بالموصل عسكرا كثيرا منهم حمدان بن حمدون جد الامراء الحمدانية وفي حوادث سنة 260 ان اساتكين وهو من أكابر قواد الأتراك في خلافة المعتمد استعمل على الموصل إسحاق بن أيوب التغلبي فخرج في جمع يبلغون عشرين ألفا منهم حمدان بن حمدون التغلبي. وفي حوادث سنة 266 قال فيها فارق إسحاق بن كنداج أحمد بن موسى بن بغا وسبب ذلك أن احمد لما ولى موسى بن انامش ديار ربيعة أنكر ذلك إسحاق بن كنداج وفارق عسكره وسار إلى بلد فأوقع بالأكراد اليعقوبية وسار إلى الموصل فقاطع أهلها على مال قد أعدوه وكان بمعلثابا قائد كبير اسمه علي بن داود هو المخاطب له عن أهل الموصل والمدافع فسار ابن كنداج إليه فلما بلغه الخبر فارق معلثايا وعبر دجلة ومعه حمدان بن حمدون إلى إسحاق بن أيوب التغلبي العدوي فاجتمعوا نحو خمسة عشر ألفا فعبر إليهم ابن كنداج في ثلاثة آلاف تصافوا للحرب فأرسل مقدم عسكره ميسرة بن أيوب إلى ابن كنداج ان احمل علي لانهزم ففعل فانهزمت ميسرة ابن أيوب وتبعها الباقون فسار حمدان بن حمدون وعلي بن داود إلى نيسابور. وفي حوادث سنة 267 فيها كانت وقعة بين إسحاق بن كنداجيق وإسحاق بن أيوب وحمدان بن حمدون ومن اجتمع إليهما من ربيعة وتغلب وبكر واليمن فهزمهم ابن كنداجيق وفي حوادث 272 فيها دخل حمدان بن حمدون وهارون الشاري مدينة الموصل وصلى بهم الشاري في جامعها. وفيها نزل بنو شيبان ومن معهم بين الزابين من اعمال الموصل وعاثوا وأفسدوا واجمع هارون الخارجي على قصدهم وكتب إلى حمدان بن حمدون التغلبي في المجئ إليه إلى الموصل وساروا جميعا إلى نهر الخازر وقاربوا حلل بني شيبان فوافقه طليعة لبني شيبان على طليعة هارون فانهزمت طليعة هارون وانهزم هارون.
وفي حوادث 279 فيها اجتمع الخوارج ومقدمهم هارون بن عبد الله الشاري ومتطوعة أهل الموصل وغيرهم وحمدان بن حمدون التغلبي على قتال بني شيبان لأنهم قصدوا الإغارة على الموصل وأعمالها فالتقوا واقتتلوا وانهزمت بنو شيبان ولما لم يجدوا مفرا عادوا وقاتلوا فكسروا أهل الموصل وأنصارهم ومن ذلك يعلم أن الامراء وغيرهم ومنهم هارون الشاري كانوا يستعينون به في حروبهم مما دل على شجاعته ومكانته اما اتصاله بهارون الشاري مع مباينته له في المذهب فيجوز ان يكون للاستعانة به على دفع الفساد أو تحصيل بعض المآرب. وقال الطبري وابن الأثير في حوادث سنة 281 فيها خرج المعتضد إلى الموصل قاصدا لحمدان بن حمدون قال ابن الأثير لأنه بلغه انه مال إلى هارون الشاري ودعا له وكأنها وشاية كاذبة وسار المعتضد عامدا لقلعة ماردين وكانت يد حمدان بن حمدون فلما بلغه مجئ المعتضد هرب وخلف ابنه الحسين بها فنزل عسكر المعتضد عليها فحاربهم من فيها يومهم ذلك وفي الغد صعد المعتضد إلى باب القلعة وصاح يا ابن حمدون فاجابه الحسين لبيك فقال افتح الباب ويلك ففتحه فقعد المعتضد في الباب وامر بنقل ما فيها من المال والأثاث وبهدمها قال المسعودي وكان حمدان أنفق عليها أموالا جليلة ثم وجه خلف حمدان بن حمدون فطلب أشد الطلب واخذت أموال له كانت مودعة فجئ بها إلى المعتضد.
وفي حوادث سنة 282 قال كتب المعتضد من الموصل إلى حمدان بن حمدون بالمسير إليه فتحصن في قلاعه وغيب أمواله وحرمه فوجه إليه المعتضد الجيوش مع وصيف موشكير ونصر القشوري وغيرهما. وكان لحمدان قلعة بموضع يعرف بدير الزعفران من ارض الموصل وقال المسعودي ان القعلة تعرف بالصوارة نحو عين الزعفران وفيها الحسين ابنه فقصدها العسكر فطلب الحسين الأمان فأومن وصار إلى المعتضد وسلم القلعة فامر بهدمها وأغذ وصيف موشكير السير في طلب حمدان وكان بموضع يعرف بباسورين بين دجلة ونهر عظيم والماء زائد فعبر أصحاب وصيف إليه فركب هو وأصحابه ودافعوا عن أنفسهم حتى قتل أكثرهم فركب حمدان زورقا كان معدا له في دجلة ومعه كاتب له نصراني وحمل معه مالا وعبر إلى الجانب الغربي من دجلة من ارض ديار ربيعة وقد اللحاق بالأعراب لما حيل بينه وبين أكراده الذين في الجانب الشرقي وعبر في اثره نفر يسير من الجند فاقتصدوا اثره حتى أشرفوا على دير كان قد نزله فهرب ومعه كاتبه ونزلا في زورق وخلفا المال في الدير فحمل إلى المعتضد وخرجوا في طلبه فلحقوه فخرج من الزورق إلى ضيعة له بشرقي دجلة فكرى دابة أو كيله وسار ليله كله إلى أن وافق مضرب إسحاق بن أيوب العنبري في عسكر المعتضد مستجيرا به فأحضره إسحاق إلى المعتضد فأمره بالاحتفاظ به وحبسه وبث الخيل في طلب أسبابه فظفر بكاتبه وعدة من قراباته وغلمانه وذلك في آخر المحرم من هذه السنة اه وهكذا كان جزاء المعتضد لحمدان على احسانه إليه كما مر فنكبه بعد ما استجار به ولم يتبع سنة الكرام في العفو والصفح ونكب أقاربه وسائر بني حمدان الذين كانوا سدا في وجه الروم.
وفي حوادث سنة 283 ان المعتضد سار في هذه السنة إلى الموصل بسبب هارون بن عبد الله الشاري الخارجي من الخوارج الصفرية فوجه إليه المعتضد الحسين بن حمدان وجرى للحسين ما تقدم في ترجمته حتى قبض على الشاري واتي به إلى المعتضد فانصرف المعتضد إلى بغداد فوصلها في ربيع الأول من هذه السنة وخلع على الحسين بن حمدان واخوته وامر بحل قيود أبيه حمدان بن حمدون والتوسعة عليه والاحسان إليه ووعد باطلاقه.
ومن آثاره العظيمة واعماله الجليلة ما ذكره ابن خالويه في شرح ديوان أبي فراس قال عم أبو العباس حمدان بلد الموصل وديار ربيعة بالميرة ثلاثة أعوام تواترت بالمحل والقحط فسمي مكايد المحل. وقيل إنه وهب في سنة واحدة ثلاثة آلاف كر والكر يومئذ ظنه بثلاثة آلاف درهم ووفد عليه فيمن وفد بنو حبيب وكانوا أعداءه وأعداء أهل بيته فساواهم بأقرب عترته وفيه يقول شاعر غيرهم:
ما زلت في كيد المعيشة جاهدا * حتى اتيت مكايد المحل اعطى وقد بخل الزمان ولج في * اعطائه إذ لج في البخل وبنى حمدان هذا سورا على مدينة ملطية أنفق عليه تسعين ألف دينار ووقف عليه أربعمائة حجرة (1) من خيله قال أبو فراس قال سيف الدولة دخلتها انا وعمي أبو العلى في سنة 318 فقرأت اسم جدي على