أن الأولين غير مرادين هنا، ضرورة عدم الفائدة في الجواب على الأول منهما، بل وعلى الثاني الذي هو توقيفي من الشارع، بل في المسالك ولا الثالث، لأن المأكول لا يوصف به وإن كان فيه منع واضح.
ثم قال: " فتعين أن يكون المراد ردهم إلى ما يستطيبونه ولا يستخبثونه، فردهم إلى عادتهم وما هو مغرز في طبائعهم، ولأن ذلك هو المتبادر من معنى الطيب عرفا، وسيأتي في الأخبار ما ينبه عليه، والمراد بالعرف الذي يرجع إليه في الاستطابة عرف الأوساط من أهل اليسار في حالة الاختيار دون أهل البوادي وذوي الاضطرار من جفاة العرب، فإنهم يستطيبون ما دب ودرج، كما سئل بعضهم عما يأكلون فقال: كل ما دب ودرج إلا أم جنين، فقال بعضهم: لتهن أم جنين العافية لكونها أمنت أن تؤكل ". وفيه أن أكلهم ذلك لا يقتضي استطابتهم له.
ومنه يعلم ما في مجمع البرهان قال: " معنى الخبيث غير ظاهر، إذ الشرع ما بينه، واللغة غير مرادة، والعرف غير منضبط، فيمكن أن يقال: المراد عرف أوساط الناس وأكثرهم حال الاختيار من أهل المدن والدور لا أهل البادية، لأنه لا خبيث عندهم، بل يستطيبون جميع ما يمكن أكله، فلا اعتداد بهم " بل ربما نوقش أيضا بأنه إن أراد إحالة التنفر والاشمئزاز إلى عرفهم فهو إنما يتم لو علم أنه معنى الخباثة وهو بعد غير معلوم، وإن أراد إحالة الخباثة إلى غيرهم فلا عرف لها عند غير العرب، لأنها ليست من لغتهم ولم يتعين مرادفها في لغتهم.
هذا مع أن طباع أكثر أهل المدن العظيمة أيضا مختلفة في التنفر وعدمه جدا، كما لا يخفى على من اطلع على أحوال سكان بلاد الهند والترك والإفرنج والعجم والعرب في مطاعمهم ومشاربهم، ولذا خص بعض بعرف