. البعد بين خط المحاذاة الأول وبين خط الانحراف شيئا فشيئا، حتى إنه قد يصير البعد بينهما عند محاذاة المنارة نحوا من فرسخ أو أكثر، بحيث لا يعد المتوجه إلى جزء البعد متوجها إلى المنارة.
وعلى هذا فالمستقبل إليه في كل حال هو العين، ولكن تتسع جهة استقبالها عرفا بالبعد عنها.
والمراد بجهة استقبالها خط يخرج من جنبتي المستقبل له مقابلا للخط الخارج من جنبتي المستقبل المار على طرفي يمينه ويساره، بحيث يكون المحاذي حقيقة لكل جزء منه متوجها ومستقبلا للمستقبل إليه عرفا.
والمراد باتساعها، أنه كلما يزيد البعد يزيد خط الجهة طولا، فمن قام بعيدا عن المنارة بقدر ذراع مثلا، يكون خط الجهة بقدر قطر المنارة الذي هو ذراعان مثلا، فإذا بعد بقدر ميل عنها، يمكن أن يصير الخط بقدر خمسين ذراعا، فإن المواجه لكل جزء منه في بعد ميل، مواجه للمنارة عرفا، وإذا بعد فرسخا، يصير الخط أطول، وهكذا...
وتلخص مما ذكرنا: أن استقبال الشئ عبارة عن التوجه إليه والمواجهة له عرفا، بحيث يعد في العرف مستقبلا له، متوجها إليه غير مائل ولا منحرف عنه، وأن العين والجهة بالمعنى الذي ذكرنا وإن اختلفتا حقيقة، وصارت الجهة أوسع من العين بزيادة البعد، إلا أنه لا اختلاف في استقبال عين الشئ وجهته عرفا، فإن مستقبل العين مستقبل للجهة، ومستقبل الجهة مستقبل للعين، سواء في ذلك القريب والبعيد، فإن من له غاية القرب بالمستقبل له وإن اشترط في استقباله المحاذاة الحقيقية، ولكن الجهة حينئذ أيضا هي الخط المساوي لقطر العين، ولذا يقال للقريب المتوجه إليها: ملتفت إلى جهتها وجانبها ونحوها وسمتها وطرفها.
والكل بمعنى واحد.
ولذا قال الشيخ الجليل أبو الفضل شاذان بن جبرئيل في رسالته في القبلة - التي عليها تعويل العلماء المتأخرين منه، كما صرح به في البحار -: إن من كان